دعني أخبرك أن قول الحقيقة أحيانا مؤلم لكنك كنت صادقا، فلربما يتكلم معك شخص يوما بحقيقة وأنت لا تريد تقبلها، إن تقبلت جزءا بسيطا منها كان خيرا لك من عدم تقبلها كلها.
أريد أن يكون هناك إنسان، إنسان واحد على الأقل، أستطيع أن أكلمه في كل شيء كأنني أكلم نفسي.
.. ، ولها أيضاً ، على جانبها ، بَكَرة معدنية سوداء بحجم الصاع وضعوا فوقها سيراً جلدياً عريضاً ، ثبَّتوا طرَفه الآخرَ في جرار زراعي فوق اسطوانة معدنية دوَّارة يضبطُ سرعَتها محركُ الجرار نفسه .ويُلقّمون هذه الآلة حجارة ً بيضاء في حلقها المخروطي الكبير ، فإذا اشتغلَ محرك ُ الجرار بدأتْ هذه الآلة المرعبة بطحن الحجارة أو تكسيرها إلى حصى فينبعث غبارٌ ثقيل شاحب يرتفع بطيئاً ثم يهبط فيغطي وجوهَهم وأوراق الأشجار وبلاطات الرصيف .
ورأيتهم ينقلون الحصى في عربة ذات عجَل واحد إلى ورشة بناء مجاورة تضجُّ بالحركة والغبار ، وإذْ صرت ُ بقربهم توقف الشابُّ الذي يدفعُ العرَبَة َوأفسحَ لي ، فشكرتهُ وأنا أنتقي مواضع قدمي خشية أن أتعثرَ بقضبان الفولاذ وأسلاك الكهرباء الخضراء ، ولكنني توقفتُ لحظةً وأنا أرى أن الشخصَ الذي يحمل الحجارة إلى حَلْق الآلة امرأة . وإنها شابة بثياب سوداء جَلّلها الغبارُ الأبيض ،فنسيتُ نفسي وأنا أتابع حركتها الدائبة بين كومة الحجارة وحلق الآلة وسط هذا الضجيج الذي يسبب الدوار ، ولم أفطن إلى الغبار الذي دخل رئتيَّ مثل لوثة لاذعة لها مضاء الطعنة المباغتة .حبستُ أنفاسي في منتصف الشهيق وأنا أشعر بوخزة قصيرة وطَعم راسب كيميائي يلتصق بالرئة ويسُدُّ المسام فابتعدتُ إلى رصيف قريب وبدأتُ سعالاً جافاً وخانقاً ومتصلاً ، وحين هدأتْ رئتاي نظرتُ إلى غيمة الغبار مُشفقاً على المرأة التي كانت في تلك اللحظة تحمل الحجارة بيديها وعلى صدرها مُقْبلة تجاه الآلة ،فلاحظتُ أنها تحمل شيئاً على ظهرها ، اقتربتُ قليلاً وانتظرتُ حتى أدبرَتْ فانقبض قلبي وأنا أرى طفلاً في جراب قماشي مثبت على ظهرها ... كان الطفل نائماً يغطي وجهه الغبار ، ولأول مرّة أذهلُ عما حولي إلى هذه الدرجة ، فقدْ مشيتُ إلى موقف الباص كمن يمشي في نومه ووقفتُ بين المنتظرين ولم أنتبه لصديقي الذي كان بينهم والذي أخرجني من شرودي : صباح الخير . ولمسني على كتفي بخفة .. فأجفلتُ .ثم مددتُ يدي وصافحته صامتاً .نظرتُ إليه بعد برهة وقلت: تعال أريك َشيئاً ، تبعني دون أن يقول شيئاً ، وإذ انعطفنا تجاه الشارع وبانت الكسارة وغيمة الغبار توقفَ وقال : إنها معلمة ، أقصد كانت معلمة .سألته إن كان يعرفها فقال: هي زوجة راشد . قلت : راشد مَن ؟
قال :راشد العاقل . سألته : الرسَّام ؟ أجاب : نعم . قلت : وكيف يتركها تعمل هنا ؟
همسَ لي: قبْل عام كان معرضه الأول وقد رسمَ في واحدة من لوحاته حَمَلاً يطاردُ قطيعاً من الذئاب.
― الكاتب السوري فرحان ريدان، قصة مضاء طعنة
اليقينُ نوعٌ من الوهمِ اللذيذ، ما لم يقمْ على الدليلِ والبرهان.
لكي يتحدد المجتمع الرأسمالي المعاصر، وبالتالي يمكن إسقاط الرأسمالية ثوريًا، كان يتعين، في مذهب ماركس وتراثه؛ إبراز ظاهرتي بيع قوة العمل والإنتاج من أجل السوق كظاهرتين غير مسبوقتين تاريخيًا! وعلى ما يبدو أن تلك هي الوسيلة الوحيدة الَّتي مكَّنت ماركس، وتراثه من بعده، من الادعاء بأن الرأسمالية نظام اجتماعي طاريء، ومن ثم يمكن، بل يجب، إسقاطه.
حقوق الكتب المنشورة عبر مكتبة فولة بوك محفوظة للمؤلفين ودور النشر
لا يتم نشر أي كتاب دون موافقة صريحة من المؤلف أو الجهة المالكة للحقوق
إذا تم نشر كتابك دون علمك أو بدون إذنك، يرجى الإبلاغ لإيقاف عرض الكتاب
بمراسلتنا مباشرة من هنــــــا