تحميل كتاب ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى pdf الكاتب مصطفى ذكري

كانت البداية مع القراءة الحرّة، وعلى وجه الخصوص القراءة في السِيَر الذاتية للكتَّاب. كان الخمول والفشل وعدم الانسجام مع الواقع هي الصفات التي وجدتها عند أغلب الكتَّاب. إنهم غريبو الأطوار حالمون تلمس أصابعهم أطراف الماء دون الخوض في الحياة الحقيقية، فقلتُ بأسًى إنّهم مثلي، أنا من تلك السلالة العاجيَّة المُسالمة. بعد ذلك كان تأثير الأعمال الفنيَّة. وكان ديستوفسكي له التأثير العاصف على ذوقي الجمالي. كان اضطرابه وتعثر شخصياته ومرضها واللاشكل المُهيمن على رواياته من الأمور التي وضعتُ عليها نظرة جمالية في الفنّ مفادها التطرُّف والحدّة والنزاهة.

 ومن الطريف هنا طالما جاء ذكر ديستوفسكي هو الإشارة إلى ما توصف به أعماله الروائية بأنّها أعمال غارقة في نزعتها الشكلية كما توصف أعمال جويس. الحقيقة أنّ المعسكر الآخر هو الذي ينتمي إلى النزعة الشكليّة الجامدة، على سبيل المثال كونديرا في «النكتة» ونجيب محفوظ في «ميرامار» أمّا «عوليس» أو «الأبله» فهي خالية تمامًا من النزعة الشكلية. أتصوّر أنّ الفرق بين كتَّاب كلاسيكيّين مثل نجيب محفوظ وتولستوي وكونديرا من جهة وبين كتَّاب طليعيّين مثل ديستوفسكي وجويس وهرمان هيسه من جهة أخرى هو أنّ الكاتب الكلاسيكي يملك تصميمًا مسبقًا لشكل روايته، وعندما ينطلق في تنفيذ الشكل لا يعوقه شيء عن الإنجاز.

 في «ميرامار» نستطيع منذ البداية الحدس بالبناء على مدى الرواية، خمس شخصيات روائية ببطاقات درامية صارمة، وخمس وجهات نظر بتتابع لا يختلّ، هكذا «النكتة» لدى كونديرا، أيّ أنّ الكاتب هنا يملك زمام كتابته، بعكس ديستوفسكي الذي تملكه الكتابة نفسها، فيصبح عرضة للأهواء الفنيَّة والمفاجآت التي مهما كانت خبرة القارئ لا يستطيع الحدس بها. عند جويس وديستوفسكي وبو وكافكا هناك خيانة دائمة للشكل الفنيّ. مَنْ كان يستطيع في القراءة الأولى ل «عوليس» الحدس بخيانة جويس لبطله ستيفن ديدالوس ـ وهو بطله الأثير ـ لحساب بلوم الذي يظهر فجأة بعد الثمانين صفحة الأولى. أتذكّر هنا عبارة كونديرا، وهو الكلاسيكي العائد، بأنّ العقد المُبرم بين الكاتب والقارئ يجب أن يكون واضحًا منذ البداية، أيّ على الكاتب أن يكون مُخلصًا لشكله البنائي، لا سماح بالأهواء، بالاضطرابات، بالخيانات. إنّني أنتمي إلى معسكر الكتَّاب الذين يُبرمون العقود وينقضونها وعلى المُتضرّر اللجوء إلى القضاء الأدبي. أمّا عن القناعات الجمالية، فهي تهتزّ من حين لآخر، إلا أنّني أفضِّل الآن أن أكون على هامش تلك القناعات. أن تكون على هامش ما تنتمي إليه كما يقول بيسوا.

تحميل كتاب ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى PDF - مصطفى ذكري

هذا الكتاب من تأليف مصطفى ذكري و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها