تحميل كتاب على أطراف الأصابع.. يوميات pdf الكاتب مصطفى ذكري

حرصه علي العزلة هو ذلك الحرص علي تفرده وعلي أن يظل بعيداً، ويظل مع كائنات الكتابة التي تخصه، وبمرور الوقت وبامتداد  المسافة التي اتسعت لتسمح للمرء بتأمل أحلام الكتابة. تقف صورة ذكري من بين أسماء كثيرة لتجسد لي كل من عرفوا بجيل التسعينيات والتصقوا طويلاً بدار نشر "شرقيات" رغم تعدد السبل التي باعدت بين تجاربهم، يمثل مصطفي ذكري في مسيرة جيلنا  تلك الرغبة العارمة في استحداث نص تجريبي في محيط صادر الأجيال التي تمتطي فكرة الحداثة، ومساحات التجريب. تبدآ الكتابة وتنتهي عند طموحه العنيد بخلق نص لا يملي عليه أحد شروطه، لا القاري ولا الذائقة النقدية ولا حتي أصدقاؤه المقربين، نص مشهدي يشبه ذكري نفسه بقدراته علي التوحد والانشغال بذاته وتثبيت ماهو جميل في محيطه وتجاهل هذا الخارج. كتابة ذكري لا تعترف بالشهرة ولا تبالي بعدد النسخ ولا تفرح بالضجيج، بل ترتبك كلما سلط الضوء عليها لأنها تعيش تحت تلك القشرة المرئية، تعيش وتنمو، وتتكاثر تحت السطح لتصبح الكتابة  ذاتها قبواً تتعتق فيه  الكتابة. تحت القشرة الصلدة التي تغلف سخريته وتقوقعه وجمله المحددة المدببة المجازية والقليلة يتجلي الوجه الأكثر عذوبة لتجربة واحد من أكثر اسماء جيلنا طاقة وقدرة وموهبة، لا يقف أمام تدفقها إلا ذائقته  العنيدة التي لا تقبل إلا بالكمال في حرفة الأدب والكتابة الحقيقية.. مقتطف من مقال ميرال الطحاوي

ذكري كاتب السيناريو لديه سيناريو متوقع لكل الأحداث. كنا نتحدث في الهاتف حين أخبرته أنني ذاهبة للقاء  صديقي الشاعرالمعروف، فوجدته يقول بتلقائية: "لا تذهبي!"، وحين تعجبت من هذه النصيحة  الغريبة، قال: "انت حرة.. هيجيبلك وردة حمراء وهتكون فضيحة في الهناجر"، ضحكت طويلاً وأنا أراهنه على سوء ظنه، فهو إنسان ناضج وصديق عزيز وشاعر متميز.

في الهناجر كنت أبحث عن مائدة الشاعر وقد نسيت أمر الوردة النابتة في خيال ذكري، وما أن قام الشاعر ليصافحني حتى ظهرت وردة حمراء كبيرة في يده الأخرى يقدمها لي في محبة مرتبكة، قلت بصوت مسموع: "الله يخرب بيتك يا ذكري"، وحينما تعجب الشاعر متسائلاً أجبته: لأننا كنا نتحدث في الهاتف قبل نزولي وهذا سبب تأخيري آسفة جداً. حاولت طوال اللقاء أن أخبئ الوردة عن أصدقاء زوجي الذين يملؤون المكان، فغضب الشاعر من قسوتي كشاعرة في معاملة الوردة الرقيقة، ولماذا أبدو قاسية تماماً عكس أشعاري المرهفة. في طريق العودة أخبرت ذكري فضحك في ثقة وقال: "سيسب زوجك في القصيدة القادمة لأنه أحق بك منه، وتسلمت إيميلا بعد يومين بالقصيدة المنتظرة، ولم أخبر ذكري. بمرور الوقت تعلمت الكسل الجميل وصرت أفرح فرحاً حقيقياً وأنا ألغي موعداً، فالذهاب للقاءات التليفزيونية هو رمز للتخلف ومقابلة أنصاف الموهوبين هو أمر مثير للشفقة، والاعتذار عن الأمسيات والندوات واجب مقدس، والانشغال بتطريز خيمة العزلة هي الرياضة اليومية، أما التسلية الوحيدة فهي مشاهدة فيلم لتارانتينو، برجمان أو تاركوفسكي، لست أنا فقط من يتأثر بذكري بل أنا وعمرو. وحين ضبطت نفسي أغلق هاتفي طوال اليوم منعاً لاستقبال المكالمات وقبل أن  يتمكن مني مباشرة مرض السوشيال فوبيا الذي أقاومه منذ طفولتي، أعلنت انقلابي على مصطفى وصرت أقرأ كتب أصدقائي كتدريب يومي على العودة لحياتي القديمة، لا أريد أن  يضيع عمري في البحث عن الزمن الضائع ولن أحلم ببورخيس  كل يوم، كما أنني أحب أن أذهب أحياناً للقاء الأصدقاء حتى لو سيحملون وروداً، وسأتعلم ألا أخجل من الورد وسأبتسم للقصائد التي تكتب بسذاجة، وسأستمر في كتابة السيناريوهات التي  لا يتحقق منها شيء، الحياة الفارغة مهدئ خفيف أبتلعه من حين لآخر، لكنني لم أخبره عن الصفعات التي تلقيتها من الكتب التافهة، ولا كدمات  التناقض التي زادت حدته بين الليبراليين الجدد، وفي جلسة غير مرتب لها، وبعد أن يعيد إلى مكتبتي  كتاباً صغيراً عن هيدجر،  تصفحه سريعاً ثم أخبرنا بما ينوي فعله في الحادية عشر مساء، لقد قررأن يعلمنا  فلسفة "الاسكالوب"، فيعطي منتصر القفاش بصلة صغيرة ليقشرها، ويرفض منتصر بدوره هذا الدور الهزيل، ويستبدله بصنع السلاطة كاملة، بينما يقف ذكري في المطبخ بتركيز  شديد، وكأن الطعام سينضج في رأسه .. وكأن العالم داخل المقلاة.. مقتطف من مقال جيهان عمر

عاش ذكري منحازاً لما يسمّيه بـأدب "البرج العاجي": الكاتب المتوحد والمعزول عن محيطه، والكتابة مقطوعة الصلة بأية إشارات للخارج، بأي سياق تاريخي، ولو كان يتماس مع سياق السرد في نقاط شديدة المحدودية.حتى المكان كان قد اختصر عنده في ضاحية حلوان الحمامات المتحدرة صورتها من زمن فائت، وبرموزها المحلية: الحديقة اليابانية، وتماثيل بوذا الأربعون، ومستشفى الأمراض المستعصية، ومصحة بهمن، والمرصد الفلكي، وقهوة البرازيل، وموقف سيارات الأجرة.  وهو إن خرج من حلوان فنحن في مشهد داخل مقهى-مطعم في وسط المدينة، يكاد لا يتغيّر في أعماله. وهي جميعا، أي هذه الأماكن،  تبدو على خلفية ضبابية تعزلها عن العالم وتحيلها لديكورات في مشهد محض جمالي. ولطالما طاب لذكري أن يستشهد على عظمة كاتب اليابان الكبير ياسوناري كاوباتا (1899-1972) بشحوب ظلال السياسة في أعماله، على الرغم من الأحداث الجسام وأهوال الحرب العالمية الثانية التي مرت على اليابان في عصره. وبعد كتابيه "على أطراف الأصابع" و"حطب معدة رأسي" المصنفين كـ "يوميات" يطالعنا ذكري بـ "إسود وردي"كمدّ لهذه اللاتاريخية على استقامتها.ولكن ذات صباح في بدايات 2011، يعلن ذكري على صفحته على الفيسبوك: "تسقط الكتابة وتحيا الثورة". كان ذلك شعاراً رومانتيكيا للغاية سرعان ما ندم عليه مصطفى، وتراجع عنه في أول حديث صحفي له في جريدة أخبار الأدب حول الثورة، حيث عاود التأكيد على إنه ما كان ليتخلى عن نزعته الفردية من أجل أي حدث جماعي مهما كان حجمه.  وهو ما يتماشى مع تطوّر موقفه من الثورة الذي تحول إلى الرفض التام مع تقلبات مسارها الوعر. ولكن قد يكون لتلك العبارة الرومانتيكية نصيب من الصحة. فربما لم تعد الثورة تحيا في رأي ذكري، لكن قد يكون ما أسقطه هو الكتابة التي اعتمدها طوال ربع قرن من ممارسته للمهنة. هل سيكون هناك منحى جديد لكتابته؟ وهو الآن يكتب بانتظام مقطوعات من الهجاء السياسي بالاستناد لتحليلات فلاسفة ونقاد ثقافيين معاصرين ينطلق منها ليعضد وجهة نظره. لقد انتهت البطالة التاريخية والسياسية لذكري، ترى كيف سيكون كتابه القادم؟.. مقتطف من مقال ياسر عبد اللطبف

تحميل كتاب على أطراف الأصابع.. يوميات PDF - مصطفى ذكري

هذا الكتاب من تأليف مصطفى ذكري و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها