تحميل كتاب نور pdf الكاتب مهند محمد عميرة

ذات مرة، في إحدى ليالي المعادي الساحرة؛ قابلت صديقًا لي على المقهى. جاء ومعه رفيقه الذي لا أعرفه. تبادلنا الأحاديث الودية، وتطرقنا -كما جرت العادة- إلى الحديث عن الرواية والشعر. ثم سألني الرجل الثالث عما بدا أنه جاء إلى المعادي لأجله: التوحد. سألني لأنه عرف أنني أعمل في مجال تأهيل الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد منذ أكثر من خمسة عشر عامًا. ولكل سؤال الكثير من الإجابات، خصوصًا إذا كان الموضوع شائكًا كهذا، تختلف الإجابة باختلاف صفة السائل. ظننت في البداية أنه يسأل بصفته مقدم رعاية، لكنه صحح لي المعلومة حين قال إنه يفكر في كتابة رواية عن مراهق مشخص بالتوحد. تعجبت لأمره، إذ هل تكفي جلسة على مقهى للإحاطة بموضوع كهذا! بالتأكيد لا، فقارئ الرواية -حتى وإن أدرك أنها ليست مرجعًا علميًّا- تعلق في ذهنه صورة معينة عن موضوعها، لذلك ينبغي على الراوي أن يكون أكثر أمانة واجتهادًا من ذلك الزائر اللطيف. منذ تلك الجلسة افترضت أن الأدب يعاني من قصور في التعامل مع هذا الشأن، فصُنّاع النصوص ليسوا متخصصين ولا مُلمّين بالجوانب الطبية أو التأهيلية أو التربوية. وحتى لا أصدر حكمًا سريعًا، قررت مطالعة بعض الروايات التي تعالج موضوع التوحد، وسرعان ما أُثبِتَتْ فرضيتي!

وسّعت نطاق بحثي، اتجهت إلى السينما فلم أجدها أحسن حالًا من الأدب! بسهولة أستطيع -أنا أو أي مختص آخر- أن أعرف أن من قُدّموا على أنهم أبطال يعانون من اضطراب التوحد ليسوا كذلك أبدًا، فضلًا عن أن الأبعاد الدرامية التي تتمحور حولها الأعمال المطروحة أشبه بالخيال، لا تنم إلا عن جهل بماهية التوحد وقدراته.

بعد تلك الزيارة، مررت بموقفين مشابهَين، قرّرت بعدهما أن أبدأ كتابة هذه الرواية. الأول حين حضرتْ إحدى الممثلات -بصحبة السيناريست الخاص بها- إلى مركز التأهيل الذي أعمل فيه. أرادت أن ترى الأطفال لأنها نوت القيام بدور في مسلسل لفتاة مشخصة بالتوحد. أما الموقف الثاني فكان عندما ألقى أحد الشعراء على مسامعي قصيدة يصف فيها سلوكًا لطفل مشخص باضطراب طيف التوحد، يومها نعته "بالمجنون!" قصيدته ألقت أمامي سلسلة من المشاكل الأخرى في تناول موضوع التوحد -إلى جانب القصور العلمي- كالمشكلة الأخلاقية والمشكلة الاجتماعية.

قد لا ألوم على الناس استسهالهم في تناول قضايا شائكة، فهي طبيعة الإنسان! لكنني أشفق على القارئ المسكين -الذي ربما يكون أبًا أو أمًا، أو مختصًا في بداية حياته المهنية، مطلعًا عاديًا- من معلومات مغلوطة، أو تصور خاطئ يبنيه حول التوحد، وأنا أعلم أن هذا ربما يكلفه سنينَ مضنية في تصحيحه. لأجل هذا كُتبَت هذه الرواية.

تحميل كتاب نور PDF - مهند محمد عميرة

هذا الكتاب من تأليف مهند محمد عميرة و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها