تحميل كتاب خِمْرة الروح pdf الكاتب مريم توركان

خَلَقَ اللَّهُ العقلَ ليستُرَ بهِ سوءة الجهل، سيقول قائل: أو للجهلِ سوءة؟

الجهل في حدِّ ذاتهِ سوءة لا بُدَّ من سترها بإعمالِ العقل، والبحث والدّقة في تحرّي الحقائق، لا سيّما وإنْ كانتْ مُرتبطة بعرضِ الأُمّة (التاريخ)، كما وصفهُ العقّاد رَحِمَهُ اللَّه.

والجهلُ ليسَ مقصورًا على الأُمّي فحسب، بل هُناكَ جَهَلَة جامعيين؛ وهؤلاء أخطر من الأُمّيةِ ذاتها إنْ لم يتثّقفوا، فالأُمّي لا يقرأ ولا يكتُب لكنَّهُ يتأثر بمَن حولهُ من الكُتّابِ والقارئين، بل ويراهم الأفضل؛ نَظرًا لِما توافر لهم من طلبِ العِلم الذي حُرِمَ هو منهُ لأيّ سببٍ كان.

لذا كانَ لِزامًا على الجامعيين أو حَملة المؤهلات المتوسطة أو فوق المتوسطة أو ما هو دون المتوسطة أنْ يُزيّنوا عقولهم بقدرٍ من الثقافة، بل يجب على كُلِّ مَن تَعَلّمَ القراءةَ والكتابة أنْ يتثّقف، حتّى وإنْ لم يتمكّن من طلبِ العِلم بالمدارس.

وليَعلمَ الجميع بأنَّ طلب العِلم ليسَ محصورًا في المدارسِ وحسب؛ بل إنَّ الذي يُدَّرَسُ في المدراسِ ما هو إلَّا مناهجٌ دراسية تُفيدُ في حلّ الإختبارات المدرسية وحسب.

والدليل على أنَّ طلب العِلم لا حدودَ لهُ ولا يقتصر على عُمرٍ بعَينه هو وجود شخصية فَذّة كَالعقّاد عملاق الأدب، الذي ثّقَفَ نفسهُ بنفسهِ _بفضلٍ من اللَّهِ ومِنّة_ بعدَ أنْ حَصَلَ على الإبتدائية، فقرأ وطالعَ الأدب العربي، ثُمَّ تعلّمَ اللغات ليُطالِعَ بعدها الثقافة الغربية بما فيها الأدب.

وهُناكَ الكثير من عُظماء الأدب والثقافة مَن لم يحظوا بالتعليمِ المدرسي، لكنَّهم فاقوا بثقافتهم ما لم يَصل إليهِ خرّيجي الجامعات، وحاملي الشهادات.

إذًا طلب العِلم ليسَ حِكرًا على مكانٍ بعَينه، ولا على زمانٍ مُحدَّد، فمَن أرادَهُ سارعَ بالقراءة والإطلاع وتثقيف نفسه، والأخذ عن الثِقاتِ من العُلماءِ الحقيقيين، فليسَ كُلّ مُثّقفٍ عالِم بينما كُلّ عالِمٍ مُثّقف.

الخِمْرة بكسرِ الخاءِ وتسكين الميم تعني الرائحة الطَيّبة، والروائحُ نلحظها في الأجسادِ والملابس وكُلّ ما هو مادّي، لكنْ أوللرَّوحِ خِمْرة؟

بالطبعِ أجل، نستدّل عليها من عقلِ صاحبها؛ إذ أنَّ الرَّوحَ تقوى بالقُربِ من خالقها، فإذا كانَ العقل سليمًا صحيحًا دلّها على كيفيةِ التقرُّبِ منهُ سُبحانَهُ وتعالى، أمَّا إنْ كانَ جامدًا فلن يدُلّها على الطريقِ الصحيح؛ لعدمِ وضوح الرؤية أمامه، إذًا العقل هو خِمْرة الرَّوح، والرَّوح من أمرِ اللَّه، واللَّهُ سُبحانَهُ وتعالى لا يُعبَدُ بالجهل، بل خَلَقَ لنا العقلَ ليكونَ سببًا في معرفتنا الصحيحة بهِ _عزّ وجلّ_ ومن ثَمَّ نعبدهُ على عِلم.

هُناكَ مَن يكتُب ويبحث ويبلغ جُهدًا مُضنيًا لكنَّهُ في نهايةِ الأمر يُخرِجُ كِتابًا يدُلّ على جهله؛ رغم بَحثهِ وتَعِبهِ إلَّا أنَّهُ لم يُكلّف نفسهُ جُهدًا إضافيًا بتحرّي الدّقة في المصدرِ الذي نَهل منهُ قلمه، فقد اِعتمدَ على اسمِ صاحب المصدر ومن هُنا اِكتفى، وهذا لا يصّح عقلًا؛ لأنَّ صاحب المصدر إنسان مهما عَلَتْ بهِ الرُتَب يُمكنُ أنْ يُخطئ ويُصيب، حتّى وإنْ كانَ عالِمًا، لأنَّهُ لا معصومَ إلَّا الأنبياء، فتحرّي الدّقة مطلب كُلّ لبيب.

أمَّا مَن يتحرّي الدّقة ثُمَّ يتجاهل الصواب، فما ذاكَ إلَّا لمرضٍ في نفسه، واللَّهُ يتوبُ على مَن تاب.

تحميل كتاب خِمْرة الروح PDF - مريم توركان

هذا الكتاب من تأليف مريم توركان و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها