تحميل كتاب حنانيك على نفسك pdf الكاتب مريم توركان

غريبةٌ هي الدُّنيا، خُلِقَتْ مُفتقدة للراحة، لا أحد يَمُرُّ بها إلَّا وأعطتهُ نصيبهُ من التعبِ والنَصب؛ فذا مهموم، وذاكَ مَدين، وذلكَ مريض، وهكذا.

ورُغم كَبَدها إلَّا أنَّنا تأقلمنا عليها فأصابنا التبلُّد تجاهها، والتبلُّد هو الشعور بالتأقلُم على وضعٍ مفروغ منهُ، رُّبما لم يَكُن يومًا بالحُسبانِ لكنَّهُ إنْ حَدَثَ حلَّ التبلُّد، كالذي لا يُحبّذ الإقامة بمكانٍ تغلُب عليهِ الضوضاء، لكن حَدَثَ وأصبحَ هذا المكان هو حلّهُ الوحيد لمُشكلةِ المَسكن، حينها سيُقيمُ حتّى وإنْ كانَ مُرغمًا، إذا نظرنا إليهِ بعد فترةٍ من إقامتهِ سنراهُ مُتألقمًا بل ورُّبما حَبَّذا الضوضاء بعد أنْ اعتادها.

أو كالذي يكره الإزدحام، فإنْ جاءتهُ فُرصة للعملِ بمُرتبٍ مُناسبٍ قَبِلَ حتّى وإنْ كانَ الطريق الوحيد الذي يسلكهُ ليصل إلى عملهِ ذاكَ مُزدحم أيُّما إزدحام، إذا نظرنا إليهِ بعد فترةٍ سنراهُ مُتألقمًا ولم يُبدّل كرههُ للإزدحامِ حُبًّا، فقطَ اعتادَ الوضع فتعايشَ معهُ.

لا تعنينا الوسيلة قدر ما تعنينا الغاية؛ والغاية هي هدف المُفكّرين الذينَ يُعملونَ العقلَ ولا يتركونهُ يَجمُد، فغاية الخَلق هي عِبادةُ اللَّهِ وحدهُ لا شريك لهُ، وغاية الطعام هي مَدّ الجسد بالطاقة اللازمة ليتحرّكَ ويسعى، وكذا غاية اللباس هي السِتر، فإنْ نَحنُ نظرنا للوسائل وجدنها مُتنوعة بتنوعِ الغايات؛ مِثال على ذلكَ غاية اللباس السِتر كما أسلفتُ، ووسيلتهِ الملابس التي تُحقق مُراده، فإنْ تبدلتْ الأدوار وأضحتْ الوسيلة محلّ الغاية ذهبتْ الغاية؛ كاللباسِ العاري الذي يكشف أكثرَ ممّا يستر، ويصّف أكثرَ ممّا يُخبأ، أينَ هو من غايةِ اللباسِ؟

مثال آخر.. غاية الخَلق هي عِبادةُ اللَّهِ وحدهُ لا شريك لهُ، أينَ زوّارونَ الأضرحة والذّابحونَ لها من تلكَ الغاية؟

سُبحانَ مَن زيّنَ الجسد بالعقلِ فحَفِظَهُ بالرأسِ!

حينَ تَضيقُ بكَ الدُنيا تذكّر أنَّ دوام الحال مُحال، ليطمئنَّ قلبُك فما قُدِّرَ لكَ لن يحصل عليهِ غيرك، وما بُليتَ بهِ لن يقوى على حملهِ غيرك، ومكانتكَ التي أنتَ بها الآن قد كُتِبتْ لكَ قبلَ أنْ يخلقَ اللَّهُ السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.. كُن على يَقينٍ بأنَّ اللَّهَ معكَ هو خلقكَ ولن يُضيّعك.

تحميل كتاب حنانيك على نفسك PDF - مريم توركان

هذا الكتاب من تأليف مريم توركان و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها