تحميل كتاب أموات في متحف الأحياء pdf الكاتب شاكر الأنباري

يا لتلك النهارات البعيدة، تتردد تلك الجملة في ذهن الراوي وهو يزور صديقه الرسام في مدينة أوربية صغيرة بعد فراق سنين طويلة. خلال تلك الأيام، بلياليها ونهاراتها، يستعيدان ذكريات ماضية وأصدقاء مشتركين، ويطّلع الراوي على لوحات الرسام ليلمس مقدار ما جسّده من تطور في أسلوبه المتميز في رسم النساء أوصله إلى الشهرة عربيا، وعالميا. يتجول في المدينة، لأول مرة، يجذبه تمثال غريب منصوب أمام الجامعة المهيبة البناء التي يعود تاريخ افتتاحها إلى قرون ماضية. هناك، وهو يتأمل "تمثال المعرفة"، يلفت نظره مشهد عائلة من أصول شرقية، يستولي عليها حزن فريد، ثم يتم التعارف، لتبدأ حكاية أخرى. ولأنه كاتب تهمه الحكايات والبشر الذين يروونها، يدخل في حديث معهم يقوده إلى علاقة انسانية عميقة، متعاطفة، هي علاقة العقل والواقع، الثقافة والتجربة. يرافقهم إلى البيت ليستمع إلى قصص هجرتهم من سورية حتى وصولهم إلى مدينة "لوفان" البلجيكية، المدينة المدورة المتمركزة حول تمثال المعرفة ذاك.

رب العائلة موسيقي يعزف على الغيتار، غادر إلى مصر أولا، ثم استدعى زوجته وطفليه إليه هربا من الحرب، لكن صعوبة الأوضاع جعلته يرحل إلى تركيا بصحبة الزوجة ليبقى فترة في إسطنبول عازفا في الشوارع من أجل المعيشة، لتلحقه أخت زوجته، وهما امرأتان اعتقد الراوي في البدء أنهما ابنتا العازف بسبب فرق العمر بينهم. تنحصر حياة الراوي في تلك الأيام القصيرة التي يزور فيها المدينة بين بيت العائلة السورية وبوح التجربة التي لن ينساها، وبيت صديقه الرسام العراقي "مرتضى" الذي لجأ إلى هذه المدينة منذ أكثر من ثلاثين سنة هربا من حرب سابقة.

تتقاطع مصائر الهاربين والمهمشين وعشاق العزلة، دائما، إذ في بيت الرسام "مرتضى" يظل الراوي يستقرئ رموز لوحاته، وطفولته، وحياته كفنان متقاعد اعتزل الحياة، وكرّس روحه لعزلته، ونسائه، وذكرياته عن البلد البعيد الذي نشأ بين نهريه، ونخيله، وطفولته البائسة. بعض الليالي والنهارات يعودان إلى تذكر صديقهما المشترك "نصير" وكان زميلا لمرتضى لاجئا في مدينة لوفان، لكنه وبعد سقوط النظام العراقي قرر العودة إلى بغداد وتسنّم منصب في وزارة الثقافة جذب إليه الأنظار مما قاد إلى قتله في يوم عراقي بعيد.

أجل، مصائر سورية وعراقية تتقاطع في شوارع هذه المدينة الأوربية، لتحكي عقودا من الظلم والمآسي والارتحالات. نساء ورجال، فنانون وبشر عاديون وأطفال، حيث تتجسد حكاية الثورات المحبطة، والهجرات المميتة في البحار، وموجات اللجوء التي أصبحت مثل طيور برية تهاجر دون أن تعرف وجهتها بالضبط، وأي مآل، وكأن ثمة قدرا مرسوما في السماء يقودها إلى حتفها. في النهاية هي رواية عن عالمنا المعاصر، وعن معنى الحياة، وعلاقة الفن بالتجربة البشرية، وضرورة أن يكون الكاتب، والمثقف، والعالم، مشاركا فاعلا في أحداث البشر لا متفرجا على آلامهم.

من أجواء الرواية: حكايات وحكايات، وبالونات الضوء ترقص فوق رؤوس الأطفال في السوق، والساحة تختتم مهرجانها بخطى متسارعة للعودة إلى الأزقة الخلفية. ليل آخر ينتهي من حياتي. واستطعت أن أصور مشاهد ليلية على تلفوني النقال. صورت الفيلة البلاستيكية الطائرة فوق الدكاكين، والبنادق المركونة على المساند، والتمثال المكسيكي، تمثال نبال كما وصفته في سرّي، ووجوه النساء الثملة من حلاوة الصيف، وصورة الألوان المنعكسة على بركة ماء تركتها الحشود. لكنني لم أصور الحكايات التي عشتها الليلة، فالكلمات لا يمكن تصويرها، بل نقشتها في ذاكرتي. وظلت تلك الحكايات تدق  في تلافيف مخي أثناء ما كنت راجعا إلى البيت. تدق كأنها أجراس كنائس تحتفل بعيد الميلاد.

الناشر: دار سطور للنشر والتوزيع

تحميل كتاب أموات في متحف الأحياء PDF - شاكر الأنباري

هذا الكتاب من تأليف شاكر الأنباري و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها