تحميل كتاب صقر قريش pdf الكاتب كرم ملحم كرم

"هذا السرير الأنيق، وقد بنى دعائمه معاوية بن أبي سفيان، لم يكن وطيد الأسّ، منيع الجانب، فالأعاصير ما برحت، بعد مأساة كربلاء، تهب عليه بغيط وكَيْد، وانطوت له جحافل النفوس على ضغينة، وتلفتت إليه العيون بشراسة. حتى الأمويون أنفسهم لم يسلموا من التنكيل بعضهم ببعض. وفي هذا الجوّ المضطرب المتلبّد بالدسائس، المواج بالفتن والثورات، لم يستروح هشام بن عبد الملك الدعة والطمأنينة مع صبوته إليها فما إن يحلّ مشكلاً حتى تزحف إليه مشاكل ضاعت بها عليه الأهداف. إذا ساير اليمانيّين، انقلب إليه القيسيون، وإن عطف على القيسيين لقي من اليمانّيين الجفاء والمقت. إذ أطفأ ثورة في خراسان، تلظت فتنة في المغرب لا يكاد يَلج جماحها، حتى تفاجئه القلاقل في العراق. وهشام ابتغى توطيد هذا المُلك الضخم المستطيل في الهند إلى الأندلس. فاعتمد في سياسته الإنصاف. كلّ من جاء يتلمس حقاً لقي فيه الخليفة العادل. وحرصه على ضمان الحق أهاب به إلى الوقوف في الطريق يستوضح المارّة هل من حاجة لهم فيقضيها؟ ولكن الماضي الأحمر الوجه، النافث العدوان، أثقل النفوس بالأوتار، فعزّ عليها التناسي. وأحسّ هشام بن عبد الملك بضياع مساعيه. فأوجعه سوء المغبّة. وركن إلى استجلاء الغد، وهو الراسخ الإيمان بأقوال مستطلعي الغيوب والرجم بالغيب، يومذاك، رائج السوق، شائع الزيّ، تعقد له المجالس في القصور والدور. فالجاهلية ما زالت به واضحة اليد في الإسلام، وهي الموطدة له فيها، والممكنة له من الأرواح بكهنتها وعوافيها. ولشدّة إقبال الناس عليه، عُدَّ علماً وفنّاً. ومارسه محترفوه كعلم وفن، وهشام لم يكن يقدم على أمر إلا وقد استند فيه إلى طرف من روايات المتكهنين وفي ذلك اليوم الحفيل، يوم عرض فيه رأس زيد بن علي في قصر الرُّصافة، استطاب الإصغاء إلى أقوال الكهانة في ما يكون غده".
صفحات من التاريخ العربي الإسلامي يفتحها كرم ملحم كرم، يصوغها بقالب قصصي يمتزج فيه الخيال والحقيقة امتزاجاً رائعاً يستدرج من خلاله القارئ لاجتياز حدود الزمان ماضياً في ردهات التاريخ متسللاً إلى القصور الأموية ليعيش أحداث تلك الفترة فيرى بعين خياله مشاهد يستحضرها الكاتب حيّة وذلك بأسلوب قصصي رائع. رائع في عباراته في معانيه وفي استرسالاته وفي إطلالاته على الحقيقة حيناً وعلى الفانتازيا في كثير من الأحيان.

تحميل كتاب صقر قريش PDF - كرم ملحم كرم

هذا الكتاب من تأليف كرم ملحم كرم و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها