تحميل كتاب العروبة والإسلام pdf الكاتب د. برهان زريق

إن معانقتنا التاريخية لموضوع العروبة والإسلام ليست مقصودة لذاتها أي ليست بحثاً تاريخياً بقدر كانت الغاية منها دراسة القانون الأعظم الذي يربط وشيجا الإسلام بالعروبة والعكس ولا حاجة للتدليل بأن علاقة العروبة بالإسلام قد تبحث من زوايا متعددة : ثقافية ، واجتماعية ، وفلسفية ، ولهذا فقد حرصنا على دراسة الآصرة الثقافية والاجتماعية والتاريخية ، ولم نتعد ذلك - وكما فعله بعض المتخصصين – إلى الجانب الفلسفي كأن يقال إن الفكر السامي بعامة والإسلامي بخاصة يعول على نظام الفطرة ، وعلى التوفيق بين الروح والمادة ، وهذا ما يتضح من نظام اللغة الذي استقى الروحي من الحسي، ومع ذلك فلن ننسى التواشج الروحي بين العروبة والإسلام والفكريات التي انطلقت حول ذلك كالقول بأن الإسلام موجة أهم من موجات الروح العربية وإنه تعبير صادق عن – روح العروبة ، وغير ذلك .

تعتبر علاقة قطب العروبة بقطب الإسلام- اتساقاً وخللاً - من أهم المسائل التي تسود وتسوس مسار حياتنا بصفتها - تكاملاً عضوياً – الرافعة الكبرى والفعالية الفذة التي تفجر الطاقة تحت خطى النهوض والتقدم .
ونحن نقول قطبين لأن هذين القطبين هما – على سبيل الاستقلال – الركن الركين لمقوم حياتنا وهويتنا الحضارية والإنسانية ، وذاتنا وماهية وجودنا الإنساني .
زد على ذ لك فالقول بأن العروبة قطب ثم التطفيف من شأن الإسلام والعكس ، هذا الأمر لا يجعلنا أمام منظومة ، بل مجرد حيال قطب واحد أساس والآخر فرع وتابع ، وهذا ما يتعارض مع شهادة التاريخ والإبداع الحضاري الذي هو ثمرة تفاعل العروبة والإسلام ، منوهين بأن النظرة المتزمتة المدللة بقطبية الإسلام دون العروبة والعكس ، هي ثمرة تشظي جدلية عروبة / الإسلام ومنظومتها المتسقة خلال الإبداع الحضاري ، ومن ثم فاللجوء إلى الحسم التاريخي من قبل أحد القطبين في مواجهة الآخر ، وهو حسم لا يظهر إلاّ في حال التحجر التاريخي ، أو التوتر التاريخي أو الفعل الخارجي الذي ضرب كثيراً على هذا الوتر حسب التعبير الحرفي للشيخ الإمام محمد عبدو كما سنوضح.
وإذا أردنا استحضار كلمة الفصل في هذا الموضوع ، فما لنا إلا أن نتذكر مقال الزميل الأستاذ الدكتور عبد الإله بلقزيز لنؤكد أن أي تناقص ليس منشؤه البنية أو التكوين أو الواقع التاريخي أو المعطى الإنساني ، وإنما منشؤه الايدلوجيا ، وبالذات –كما أكد الشيخ محمد عبده- الايدلوجيا الحديثة ، أما في المعطى التاريخي الحدثي أو في المعطى الحدثي الجماهيري فلا تجد حسيساً أو صوتاً لكل هذا التناقص الغريب .
لقد توطدت هذه الظاهرة واطردت حتى أصبحت قانوناً يحكم تاريخنا، وهو الأمر الذي يفرض على المشروع النهضوي العربي أن يضع منهجاً فكرياً راسخاً يحكم منظومة هذه التوفيقة بين العروبة والإسلام لاسيما أن أي عمل توفيقي ( thnthitas ) - وليس تلفيقياً (syncretec ) - يخفي توتراً بسيطاً في طياته ، وإن المنهج العلمي الموضوعي هو الذي يحول دون الانشطار العنفي التلفيقي .
وزيادة في الإيضاح فإن الفكرة التوفيقية الأم هي الحامل التاريخي للحضارة العربية الإسلامية ، وهذه الحضارة وبفعل رافدها الأكبر الإسلام – تحمل التوفيق بين كافة أقطاب الحياة :دنيا / آخرة ، مادة /روح ، فرد/ جماعة ، العقل /الشريعة الخ0000وإن مثنوية عروبة /إسلام تتغذى من روح التوفيقية الكبرى الأم .
وبيان ذلك – أن الإسلام بالنسبة للعروبة - معطى موضوعي ، ومقارنة هذا المعطى ومعانقته والامتياح من بحره الزاخر لا يتم ميكانيكياً ، بل من خلال ذات الأمة ، وهذه هي جوهر القطبية .
إذن لا عجب بأن أي خلل في هذه المنظومة يشكل إشكالية كبرى لحياتنا قاصدين بالإشكالية تلك المسألة المترابطة العناصر التي تنتظر حلاً مشتركاً لقطبيها ومثنويتها .
وللسبب المذكور فقد كانت تلك الإشكالية تحتل الصدارة في سلم الأولويات والاهتمام لدى الأوساط الثقافية والسياسية ، وكانت أيضاً مادة ثرة للباحثين والمفكرين من أبناء أمتناء ، وقد تناولتها حفراً وتنقيباً المذاهب والأفكار والاتجاهات السياسية والعلمية الكبرى في هذا الوطن العزيز.
وحقيقة الأمر ، فقد تعددت أنماط تلمس هذه العلاقة وفحصها ورصدها بين أصحاب النـزوع التلفيقي والتأصيل المنهجي التوفيقي إضافة إلى المواقف المتسمة بالحسم في إنكار أي اتساق بين هذين القطبين ، كما يتضح الأمر لدى بعض مظاهر الإسلام السياسي أو لدى الاتجاهات التغريبية الانغماسية المنبهرة - إغواء - بحضارة الغرب .
وهكذا تعدو هذه المسألة مغرية للباحث لاسيما إذا كان يحمل بين جوارحه الوعي المصيري المتعلق بالهاجس المحض بهموم الأمة وبنبضات قلبها وطموحها إضافة إلى الإرادة الأخلاقية الرصينة التي تجهد لتحقيق آمال هذه الأمة على اعتبار أن الوعي بذلك يدخل في نظام القدرة وفقاً للتداعية المشهورة : استشراف – معرفة – قدرة .
كيف لا يكون الأمر كذلك ، وأن نهضة أمتنا لا تتحقق إلا من خلال حل المعضلة والإشكالية الكبرى الخاصة بالفهم ، وبذلك فعلينا التأكيد بأن مشكلتنا الأساسية في المقام الأول هي مشكلة فهم ، وأمتنا لا تفتقر إلى القدرة على الصعيد الاجتماعي أو الطاقة على الصعيد الطبيعي بقدر ما ينقصها الاتساق في منظومة حياتنا .
وإذا كانت هذه هي أهمية فهم هذه العلاقة فإن سؤالاً آخر ينتصب ليفرض نفسه بقوة وإلحاح ، ألا وهو : كيف نفهم هذه العلاقة ، وما هي أفضل القنوات والأجهزة والأدوات المعرفية لذلك .
الجواب عن ذلك واضح هو أن من المفروض بهذه القنوات والأجهزة أن تنبع من الرؤية ذاتها طبقاً لنظرية المعرفة ( الأبستمولوجيا ) ، وهو الأمر الذي حدا هذه النظرية لإطلاق تسمية (الآصرة) على تلك العلاقة بين المنهج والرؤية.

الناشر دار حوران, 2010

تحميل كتاب العروبة والإسلام pdf

هذا الكتاب من تأليف د. برهان زريق و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها