تحميل كتاب فلسفة الحرية pdf الكاتب د. برهان زريق

كيف يمكن أن نفهم عربدة زعماء الغرب ووحشيتهم، فهم في الوقت الذي ينادون فيه بالحرية والديمقراطية في بلادهم يسجنون شعوباً بأكملها ويعينون على إفقارها وإضلالها وإذلالها ويطمسون حضارتها وثقافتها.

يقسم المفكر مالك بن نبي المجتمعات لجهة تأسيسها، لسُلم القيم، وفي ضوء ذلك يصوغ المعادلة التالية: مبدأ أخلاقي + ذوق حس جمالي = اتجاه الحضارة. وفي الوقت ذاته يقرر المذكور، بصورة عامة، وجود أنموذجين من هذه المجتمعات:
الأول يقوم فيه النشاط أساساً على الدوافع الجمالية، والثاني يقوم على الدوافع الأخلاقية.
وجدير بالذكر أن التقسيم المذكور ليس حدياً وجذرياً ومستغرقاً لكل موضوع التقسيم، فالمجتمع المؤسس على القيم الجمالية لا يخلو من وجود نشاط يتسم بالأخلاق، وكل ما يعنيه هذا التقسيم أن الغلبة في ذلك تكون لعنصر الجمال أو الأخلاق.
ويتابع ابن نبي قوله: إن الثقافة التي تعطي الأولوية لذوق الجمال، تغذي حضارة تنتهي إلى فضيحة حمراء، يقود جنونها رجل مثل نيرون وامرأة مثل مسالين. ومن جهة أخرى، فالثقافة التي تمنح الأولوية للمبدأ الأخلاقي تكون حضارة مآلها التحجر والجمود، وتنتهي إلى فضيحة صامتة سوداء، تتيه في مجال تصوف متقهقر يقود جنونه مشايخ الصوفية.
التقدم والتأخر هذا ينتهي أيضاً إلى تحديد مناهج سياسية مختلفة تمام الاختلاف، فبينما ينزع المنهج الأول إلى تأسيس ديمقراطية، تجعل حرية الفرد هدفها بدافع جمالي، إذا بالآخر ينهج إلى ديمقراطية تستهدف سعادة المجتمع بدافع أخلاقي.
وقريب من ذلك ما أبرزه عميقاً الأنثروبولوجي الفرنسي لويس دومون، مميزاً بين حضارات (المسيحية الغربية والهندوسية)، ميالة إلى إعطاء موقع أساس للفرد وحضارات (كالعربية الإسلامية) تضع تماسك الجماعة في الصدارة.
هل نفهم، إذاً، عجب المفكر علال الفاسي، كيف أن علماء المسلمين لم يتفطنوا في آية البينة المتضمنة {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينات}(سورة البينة، آية 1).
لم يفطنوا إلى أنه لا سبيل للانفكاك والتحرر إلا بمنهج العبودية لله، منهج التكاليف، وبالتالي فالحرية في الإسلام جعل قانوني وليست حقاً طبيعياً.
فالإسلام جملة واجبات، والديمقراطية الغربية جملة حقوق.
والنسق القيمي، بما في ذلك الحرية والديمقراطية، نسق ذي سمة عامة، مركزه ونواته الله تعالى، في حين أن النسق القيمي للحضارة الغربية يقوم على الفرد بما يتفرع عن ذلك من حقوق طبيعية.
وباختصار فوهن الحضارة الغربية يقود إلى استعار وجنون الفردية المتعطشة المتكلبة، وبالعكس فوهن الحضارة العربية الإسلامية يقود إلى تعلية المركز الإلهي على حساب المركز الإنساني.
وهكذا، فليس غريباً أن نسمع مفكراً غربياً مثل آيدن يقول: "الحرية هي قيمة القيم".
الأمر جد طبيعي، فالحضارة الغربية عندما تنحل في حلول الفردية المتعطشة المتكلبة، تبقى نواتها المتمثلة في الفرد، والأمر نفسه بالنسبة إلى الحضارة العربية الإسلامية، فهي تحول فجر جموحها إلى حضارة إلهية المركز، يضيع فيها الفرد وقته وتطلعاته، ولا أدل على ذلك أن الحضارة الغربية في بداية صعودها الحديث حملت خصائص المذهب الفردي، وها نحن نسمع أصواتاً حديثة من رجال القانون في الغرب تدلل بنضوج القانون الطبيعي كأساس لعالم القانون في الغرب، ثم صعود المذهب الوضعي والمدرسة الشكلية في القانون، وهذا ما يذكرنا بمقولة شبنغلر حول سقوط الغرب وحضارته، وإن كان امتصاصه لدماء الشعوب هو الذي يؤجل هذا السقوط.
وفي هذا السياق نفهم عربدة بوش ووحشيته، فهو في الوقت الذي ينادي فيه بالحرية والديمقراطية يسجن الشعب العراقي ويطمس حضارته وثقافته.
وإذا كانت الصورة قاتمة ورمادية في الغرب، فالصورة في ديارنا العربية أكثر قتامة ورمادية، والنواس ينوس بين جنون نيرون ومجون ستالين وبوش، وبين دراويش الملوك والزعماء العرب وقارعي الطبول وفقهاء السلاطين.
وإذا كان تراثنا ينادي بنا على لسان عنترة:
العبد لا يكر ولكن بحسن الحلب والصر
وعلى لسان سيدنا عمر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
إذا كان الأمر كذلك، فعلى الأحرار أن يتذكروا ويعوا قوله تعالى: {فهل من مذكر}.
هذا الكتاب محاولة للتغلغل في مفهوم الحرية وتشريح جثتها ومفهومها، وعلى الله التوكل.

الناشر دار حوران, 2010

تحميل كتاب فلسفة الحرية pdf

هذا الكتاب من تأليف د. برهان زريق و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها