تحميل كتاب الحركات الإسلامية - قراءة نقدية في تجليات الوعي pdf الكاتب ماجد الغرباوي

لا ريب أن الدعوة والإصلاح كانا الهدف الأساس وراء ظهور الحركات الإسلامية تاريخيا، ثم تطورت في مساراتها التنظيمية والاستراتيجية، فأصبحت السلطة والحكم هدفا رئيسا من أجل حاكمية الدين وتطبيق الشريعة، كما يقولون. ولم يتراجع دعاة التيار الإسلامي، قبل ممارسة السلطة، عن شعار: "الإسلام هو الحل"، وشعار "تطبيق الشريعة" رغم المشانق والسجون والتعذيب والتشرد بعيدا عن الأوطان.

وقد تعاطفت الجماهير المسلمة مع التيارات الدينية، بعد فشل الأنظمة الوضعية، في تحقيق الحد الأدنى من الرفاه والحرية، خاصة وأن الحركات الإسلامية كانت وما زالت ترفع شعارات إسلامية، بقيت أملاً في نفوس الناس، ثم راح الخطاب الإسلامي يتمادى في تغذية المخيال الشعبي من خلال رسم صور حالمة عن نظام الحكم الديني، وحجم الرفاه والسعادة في ظل اقتصاد إسلامي، ينعم بالمساواة والعدل، ينعدم فيه الفقير والمحتاج، لا فرق فيه بين الحاكم والشعب في تطبيق الأنظمة والقوانين، فضلا عن ثواب الآخرة جزاء لصبر الانسان وثباته في تطبيق شريعة الله على يد الدعاة الميامين.

وقد نجحت الحركات الإسلامية تنظيميا في تربية دعاة يتصفون بالطاعة والإنقياد، فكانوا رهانا ناجحا في تنفيذ خططهم ومشاريعهم مهما كانت تداعياتها. والمدهش أن الحركات الاسلامية استقطبت طاقات شابة كثيرة، وتوغلت في صفوف المجتمع رغم كل التحديات والقمع، حتى كانت ظاهرة (الشاب المتدين الملتزم) لافتة في المدارس والجامعات.

ولا نبالغ إن قلنا إن الحركات الإسلامية، قبل المرحلة السياسية، لعبت دورا كبيرا في ايقاظ الوعي، والتأشير على أخطاء غيرها من الإسلاميين، المحافظين خاصة، وبالأخص رجال الدين والحوزات والجامعات الإسلامية. ونبهت إلى مخاطر التخلف، وممالأة الظالمين من الحكام والمستبدين، كما كان لها دور فاعل في مواجهة الاستعمار والاستبدادين الديني والسياسي، والتحريض ضد الحكومات الجائرة، انطلاقا من مسؤولياتها الدينية. ثم دخلت منعطفا كبيرا بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران (1979م)، حيث تنامى الأمل في استنساخ التجربة في بلدان أخرى، فهبّت من سباتها تعد العدة لخوض معارك ومواجهات مع الأنظمة الحاكمة باعتبارها أنظمة لا دينية يجب استبدالها. فحدثت تحركات واسعة في مصر وتونس والمغرب والجزائر والعراق وسوريا. لكن السلطات الحاكمة استطاعت إخمادها وزج الدعاة في السجون والمعتقلات. ومنذ ذلك الحين دخلت الحركات الإسلامية في مرحلة جديدة، مرحلة المعارضة  المسلحة، فتكبّدت خسائر كبيرة على صعيد التنظيم والأفراد. مما دعا بعض قيادات التنظيم إلى مراجعة شاملة انطلقت من سجون مصر، لتنتشر وتؤثر في فرز حاد لأتباع الحركات الإسلامية بين مؤيد للعنف والقوة لتحقيق أهدافه، وبين منحاز للسلم والعمل السلمي (معارضة سلمية)، فصار ثمة فارق نوعي بين سلوك الطرفين، رغم وحدة الهدف في الوصول إلى السلطة وإقامة دولة إسلامية. فهناك القاعدة والتشكيلات التابعة لها، التي نحت منحى إرهابيا بعيدا عن الإسلام وقيم السماء. وهناك حركات تشبثت بالعمل السلمي من أجل الوصول للسطلة، وبالفعل مارس بعضها السياسة علنا من خلال أحزاب منظّمة، وصار قوة لها استراتيجيتها، ورقما فرض نفسه على المعادلة السياسية.

هذا الكتاب من تأليف ماجد الغرباوي و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها