تحميل كتاب أثر الفراشة بنكهة طبية pdf

تحميل كتاب أثر الفراشة بنكهة طبية pdf الكاتب د. غفار محمد و د. لمى محمد

⚪ عمار : تماماً، وماذا عنك ، ما وجه شهرتك ؟

⚫ خوليو : شهرتي هي بسبب ضعفي، وضعي الصحي جعلني مادة مفضلة للصحافة،  فأنا مصاب بحالة تصيب واحد من ملايين الأشخاص في العالم.

⚪ عمار مندهشاً : وماهي هذه الحالة النادرة ؟

⚫ خوليو : متلازمة عدم الشعور بالألم CIP Congenital Insensitivity to Pain ..

أنا لا أعرف معنى الألم الجسدي، فقط توصيف الناس الطبيعيين له...

⚪ عمار: ياه، كم أنت محظوظ، الألم أمر سيء جداً، أنت مرتاح للغاية منه، أمي مصابة بالصداع العنقودي وهو من أشد أشكال الألم.. مستعد لدفع كل ما أملك كي تتخلص من شعورها بهذا الألم العميق...

تنهد خوليو تنهيدة ملؤها الألم وقال على نحو مفاجئ :

⚫ خوليو : أنا مستعد لدفع المليارات، كي أكون مكان أمك...

⚪ عمار مندهشاً : تحب أن تشعر بالألم ؟ لماذا ؟

⚫ خوليو: الألم هو حارس الحياة، هو المنبه الذي ينذرك بوجود خطر يهدد حياتك ووجودك، لتتجنبه وتتفاداه، فتبقى على قيد الحياة.. هو بمثابة شرطي المرور الذي ينظم السير وبدونه تكثر الحوادث في كل مكان...

هل تعرف سيد عمار ما الذي أفعله كل يوم قبل أن أنام ؟

هز عمار رأسه نافياً، فتابع خوليو:

⚫ خوليو: أقوم بعدّ أسناني وتفقدها واحداً تلو الآخر لمعرفة إن سقط أو تسوس أحدها، أفحص كامل جلد جسمي لتحريّ وجود حروق، جروح، أو رضوض.. أتأكد من سلامة كامل مفاصلي، أحركها واحداً واحداً بحثاً عن خلوع، فكل أذى قد يحدث دون أن أشعر...

⚪ عمار : ياه كل يو م؟

⚫ خوليو : أجل.. هل سمعت من قبل عن شخص يدعى باتريس أبيل   Patrice Abel؟

⚪ عمار : لا...

⚫ خوليو : هو أب لطفلتين، لكن ليس كأيّ أب… بل أشبه بعدّاء يركض لا ليتجاوز خطّ النهاية، بل ليمنع الألم من أن يلحق بأجنحة صغيرتيه.

ركض، لا في شوارع المدن فحسب، بل في قلب الزمن والجهل والوصمة، قطع مسافات تعادل تسعين ماراثونًا في أقل من أربعة أشهر. لا بدافع الشهرة، ولا لهوس الفوز… بل ليجعل العالم يلتفت، ولو للحظة، إلى تلك المتلازمة النادرة ( عدم الإحساس الخلقي بالألم ) صمت موجع، وجراح بلا بكاء، وكسور بلا صراخ.

أما أنا، فلم أركض. كنت الساكن في بيتٍ زجاجيّ، طفلًا تربّى ضمن فقاعة حماية، وكأن الحياة كلها مسرحٌ مغطى بالقطن.

منعت من اللعب، لأن السقوط قد لا يُشعرني بالألم، لكنه قد يفتك بجسدي منعت من استخدام الأدوات الحادة، لأن نزفًا قد يحدث دون أن أشعر، فيخونني جسدي كما خان غيري في صمت.. منعت حتى من الاستحمام وحدي، كأن الماء قد يخفي تحت دفئه كارثة لا ألم يُنذر بها.

تضاءلت المضاعفات الجسدية، نعم، هذا صحيح… لكن هناك شيء لم يُحسب له حساب : الألم النفسي .. ذلك الكائن الخفيّ، الذي لا يُرى في صور الأشعة، ولا يُحقن له مسكّن، ولا يتوقف عند حدود الحماية.

كنت محاصرًا بجدران من قطن، لكن روحي كانت مكشوفة لعواصف صامتة، تنهش ولا تترك أثرًا واضحًا، إلا في نظراتي، في وحدتي، في خوفي من أن أكون مختلفًا... ناقصًا.

وها أنا، رجلٌ يحمل بقايا طفل لم يعرف الألم الجسدي يومًا، لكنه حمل فوق كتفيه جبالًا من الألم النفسي، دون أن يجرؤ على البكاء أمام مرآته.

هل تعلم ؟

لو كنتُ يومًا من يُسمّي الأمراض، لاخترت لهذا الاسم الطويل البارد الذي وضعه الأطباء، اسمًا جديدًا يليق بالحقيقة:

(متلازمة الألم النفسي الشديد مع انعدام الإحساس الجسدي)

لأن الصمت لا يعني السلام، كما أن غياب الألم لا يعني الغفران…ولأن من لا يشعر بالجراح في جسده، قد يغرق بأشواك لا تُرى، ولا تُشفى، في روحه ..

تحميل كتاب أثر الفراشة بنكهة طبية PDF - د. غفار محمد و د. لمى محمد

هذا الكتاب من تأليف د. غفار محمد و د. لمى محمد و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها