تحميل كتاب نافذة على العلم عصر الجينات الثورة القادمة pdf الكاتب د. منى كيال ود. محمد فتحي عبد العال

رحلة شيقة بين جنبات علم الجينات وأسراره.

تلعب الجينات الوراثية دوراً كبيراً في حياتنا، وتؤثر على شكلنا وسلوكنا وصحتنا واختياراتنا الغذائية والحياتية. وتشمل تطبيقات العلم الجيني مختلف جوانب الحياة من الطب والصيدلة والزراعة والتغذية إلى القانون وعلم الآثار والتاريخ وغيرها الكثير.

قطعت البشرية أشواطاً طويلة في هذا المجال، وأصبح مصطلح الجينات قريباً أكثر من أي وقت مضى من حياتنا، و ربما كان اكتشاف علم الجينات هو الحدث الأبرز في مجال الطب وبيولوجيا الكائنات الحية في المئة سنة الأخيرة.

منذ أن وضع العالم مندل قوانين علم الوراثة في القرن التاسع عشر، قبل معرفة أي شيء عن الجينات بفترة طويلة، مروراً باكتشاف الكروموزومات الوراثية وتركيب جزيء الدنا في عام ١٩٥٣، وصولاً إلى انطلاق مشروع الجينوم البشري في عام ١٩٩٠، تطور علم الجينات وتعددت تخصصاته حتى باتت التحاليل الجينية جزءاً أساسياً من أعمال مخابر التحاليل المخبرية، وبدأت العلاجات الجينية تثبت نجاعتها في علاج بعض الأمراض. والمستقبل مفتوح على مصراعيه لتطورات تتجاوز حدود الخيال العلمي والعقل البشري اليوم.

يمكن النظر للجينوم (المجموع الجيني للكائن الحي) كسجل للمعلومات مكون من أحرف وشفرات، تتتابع في تنظيم بديع قوامه حروف اللغة الجينية، والتي هي عبارة عن أربعة أحرف هي الأسس الآزوتية: T-G-C-A أي الأدنين والسيتوزين والغوانين والتايمين، والتي يرتبط كل واحد منها بسكر خماسي وفوسفات لتشكل النوكليوتيد. تتوالى النوكليوتيدات في ترتيب معين لتشكيل لولب يتكون من شريطين يشكلان الحمض الريبي النووي منقوص الأوكسجين (DNA) . هذه الأحرف تكتب كتاب حياتنا وصحتنا ومظهرنا الخارجي وشخصيتنا، كما وتروي أيضاً تاريخ أجدادنا.

لقد كان علم الأمراض في الماضي مجرد سجل من فرضيات ونظريات وملاحظات، بعث فيها العلم الجيني الحياة، فصار كل مرض يخضع لدراسة جينية دقيقة تحدد أسباب الأمراض بدقة، مما أدى إلى تطور كبير في مجال التشخيص المخبري والصيدلة الجينية وعلم التغذية الجيني.

لقد وصلنا إلى مرحلة من التطور أضحى فيها التعديل الجيني على مرمى حجر، مما يبشر بحل ناجع لعلاج كثير من الأمراض الوراثية باضافة جين سليم أو إزالة الجين المعطوب. ويمكن لهذا النوع من العلاجات أن يشفي من أمراض خطيرة مثل داء التليف الكيسي والناعور ومرض الثلاسيميا وفقر الدم المنجلي وغيرها. إلا أن الأمر لا يسير بهذه السهولة وسط غياب لمعرفة الدور الذي تلعبه بعض الجينات، وفي خضم نقاشات فلسفية وأخلاقية وضرورة وضع أسس وضوابط للتعامل مع المستقبل المفتوح للمعالجة الجينية.

و رغم دور الجينات الحاسم في الإصابة ببعض الأمراض ذات المنشأ الجيني الأحادي (جين واحد مسؤول عن المرض)، فإن العدد الأكبر من الأمراض المزمنة كأمراض القلب والشرايين والسكري من النمط الثاني ومعظم الأمراض السرطانية، تتأثر كثيراً بالعوامل الخارجية كالتغذية وأسلوب الحياة والبيئة. هذه العوامل تؤثر في تعبير هذه الجينات عن نفسها سواء بإحداث المرض نتيجة العادات الصحية السيئة أو بالعكس بالوقاية من كثير من هذه الأمراض. وهذا ما يدرسه علم الإيبي جينيتيك أو علم ما فوق الجينات الذي يربط بين جيناتنا الوراثية والتأثيرات البيئية الخارجية، ويبحث في التغيرات الوظيفية التي تحدث للجينات الوراثية والتي لا تتضمّن تغييراً في نوكليوتيدات سلسلة الدنا.

لقد تطرقنا في الكتاب إلى موضوع العلاج بالخلايا الجذعية لما له من أثر كبير في العلاج الجذري للأمراض وتعويض الأعضاء التالفة والمفقودة، باستخدام خلايا لها القدرة على التحول إلى أيٍّ نوع من أنواع خلايا الجسم لتعطي أنواعًا مختلفة من الخلايا المتخصصة. ولأهمية استعمال التقنيات الجينية في تطوير هذا النوع من العلاجات بات الترابط وثيقاً بين هذين التخصصين، فلولا التطور في تقنيات البيولوجيا الجزيئية لما شهدت تقنية استخدام الخلايا الجذعية كل هذا التقدم خاصة في استخدام الخلايا الجذعية الجنينية المبرمجة التي تسهل انتاج الخلايا الجذعية بكميات مناسبة لاستخدامها في مختلف الاختصاصات الطبية.

باتت التحاليل الجينية تستخدم اليوم في مجالات متعددة، وأصبحت هذه التحاليل تطلب بشكل روتيني لتشخيص الأمراض الجينية لدى الجنين قبل الولادة وفي إطار الفحص الطبي قبل الزواج، أو لاثبات تشخيص الأمراض الوراثية كالناعور والتلاسيميا والطفرات التي تزيد من حدوث الخثرات الوريدية العميقة مثل: طفرة لايدن أو طفرة حمض الفوليك (MTHFR) وغيرها. هذا عدا عن استخدام هذه التقنية في مخابر علم الأحياء الدقيقة والكشف عن الحامض النووي للجراثيم والفيروسات والطفيليات لتشخيص الأمراض الانتانية المختلفة.

كما أصبح من الممكن قراءة الخريطة الجينية المفصلة لكل شخص والتنبؤ بعوامل الخطورة للاصابة بالأمراض المختلفة. وتحتاج قراءة هذه النتائج الجينية إلى دراسة متأنية من قبل طبيب أخصائي في هذا المجال لوضع النتائج في اطارها الصحيح، خاصة مع حقيقة تأثر أغلب الجينات الوراثية بعوامل المحيط البيئي والغذائي وأسلوب الحياة.

وبعيداً عن الطب، فقد عرجنا في جولتنا الجينية على بعض جوانب التاريخ وتطبيقات علم الآثار الجينومي لسبر أغوار الأسرار الفرعونية والوقوف على أسباب وفاة الملوك والأمراض الوراثية للأسر الحاكمة، و دراسة أصل الشعوب والأفراد وحركة هجرتهم عبر التاريخ، مما يساعد على تقديم تفسير أوضح وأصدق للأحداث التاريخية. حيث يمكن لعلم الجينات أن يفسر لنا رسائل جينية من الماضي تروي لنا قصص الأجداد وتعيد تفسير أحداث التاريخ السحيق.

كل هذا ليس إلا غيض من فيض، فيما يتعلق بتطبيقات العلم الجيني وتأثيره في مختلف الاختصاصات وجوانب الحياة. مما يجعل الباحث والمتابع للتطور السريع والمعلومات المتلاحقة في هذا المجال، يقف موقف المذهول أمام معجزة الخلق وعبقرية النظام البديع الذي أحسن كل شئ خلقه.

ولما كانت لغة العلم تبدو معقدة، ومع كل هذا الكم من الأبحاث والدراسات المتخصصة باللغات الأجنبية، فقد ارتأينا أن نقدم للقارئ العربي المهتم مادة علمية سلسة، تمكنه من الوقوف على آخر مستجدات هذا العلم الحياتي وفهم أسراره. لذا كان علينا نقل هذا الجديد عبر مجموعة من المقالات القصيرة الشيقة، حرصنا على أن تكون بسيطة الأسلوب، متنوعة الموضوعات، غزيرة المعلومات؛ كي تحقق للقارئ العربي الفائدة المرجوة وتلبي حاجته للمعرفة والاطلاع.

ندعوكم إلى جولة سريعة في أرجاء عالم الجينات الرائع، ونقدم لكم مقتطفات من تطبيقات هذا العلم البديع في مختلف جوانب حياتنا وصحتنا.

والله من وراء القصد

المؤلفان:

د. منى كيال
د. محمد فتحي عبد العال

هذا الكتاب من تأليف د. منى كيال ود. محمد فتحي عبد العال و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها