تحميل كتاب من سيخرج المسلمين من التيه pdf الكاتب د. حامد العطية

أعطينا الوجهة الصحيحة والواسطة الكفيلة بإيصالنا إلى الأحسن فالأحسن، لكننا صرفنا أنظارنا عن الغايات المنشودة، وأهملنا الوسائل المشروعة، لذلك وقعنا في التيه، فتعذر بلوغ الحسن وغدا الأحسن بعيد المنال.

كل أحوالنا تدل على أننا سائرون في التيه، ومن أبرزها تفرقنا في فهم وتطبيق الدين بدلاً من التمسك بحبل الله، واستقلالنا المنقوص نتيجة ضعفنا وتشرذمنا وسيطرة من هو أقوى منا على قراراتنا ومقدراتنا، وتخلفنا نتيجة اخفاقنا المزمن في استغلال مواردنا الكثيرة، وعندما يقال بأن المسلمين فاشلون أو متخلفون عادة ما يرد إلى الأذهان وجود صلة ما بين أوضاعنا المزرية وعقيدتنا، وبالتالي فنحن لم نحصل على الفوائد الجمة من عقيدتنا فقط بل أسأنا إلى سمعة هذه العقيدة في أوساطنا ولدى الغير.

   نحن صنعنا المتاهات بعقولنا الملوثة بالموروث والأهواء، فكان من المحتم أن نضيع داخلها، هكذا حكمنا على أنفسنا، لم يكن عقاباً ربانياً، بل نتيجة مكتسبة، هي متاهات قديمة عمرها قرون، بدأت كبيرة أصلاً، ثم ترسخت وتجذرت عبر القرون، كنا وما نزال الأغنى بين كل البشر، والأفقر أيضاً، بعد كل غنائم الحروب الأولى حل عام المجاعة، ومن لم تقتله الحرب من أجل الغنائم مات بطاعون عاموس، نحن الأغنى بالجزية والخراج والغنائم وكنوز الأرض والأفقر بالإنتاج والمعرفة والكرامة والعزة.

   نحن تائهون، ولا تطلبوا شهادة على ذلك من حكامنا فهم ومنذ أربعة عشر قرناً يمنوننا بالعيش الرغد، وهم أول من قادنا إلى التيه، وآخر من يقرّ بأننا تائهون هم مثقفونا لأن ذلك يعد انتقاصاً من مواهبهم وإسهاماتهم التي لم تفلح في إخراجنا من التيه، ولا تستفتوا في الأمر فقهاء ديننا فهم أيضاً مسؤولون عن وضعنا المزري، فبفضل تفاسيرهم وفتاواهم ورسائلهم أضلونا مرة بعد أخرى وأدخلونا في متاهات، وهم يدعون بأنهم يدلونا على الطريق القويم، فما أشبههم بكهان الديانات السالفة.

   التيه أسوء ما يمكن أن يحدث للفرد أو الجماعة، هو نتيجة جهل الغاية الصحيحة أو الطريق المفضي إليها، أو الإثنين معاً، وقد يدرك عقل الإنسان الغاية والوسيلة لكنه يتركهما مدفوعا بأهوائه الأنانية وتأثره بالموروث، وما أن يقع في التيه، ويسير فيه حتى يستولي التيه ومنطقه الداخلي المعوج، أي الغي، على عقله وتفكيره، وكما سولت العقول المنحرفة للناس قبل الإسلام قتل أولادهم يحبب سفه التيه للنفوس تشبثها بالطريق غير القويم، فيصبح من الصعب الخروج من التيه، وعندما يصبح الانحراف المنهج الرسمي المعترف به يكون من الصعب جداً إقناع الآخرين بحقيقته والطلب منهم الوقوف بوجهه. 

   المطلوب إحداث ثغرة في جدار التيه، ينفذ منها العقل المسلم من الأطر الضيقة والصارمة المهيمنة على التدين الموروث، لكي يتمكن من إعادة النظر والتقييم للمتراكم، والعودة إلى الجذور في القرآن الكريم وما يتفق معه من السنة النبوية، وصولاً إلى فهم صحيح للعقيدة وتطبيق فعال لها، ويتطلب ذلك مراجعة موضوعية لمواقف وأحداث تاريخية نتجت عن قرارات واختيارات من فرد أو فئات، أضفيت عليها شرعية دينية، وأدخلت مع مرور الزمن هيكل المقدس الموروث، فغدا من الصعب بل من المحظور تحليلها والحكم عليها، وهي قاعدة ومنطلق الانحرافات المفضية إلى التيه، والهدف من هذا الكتاب محاولة فتح ثغرة في البنيان العقائدي السائد تسمح بطرح مفهوم مغاير لغايات الدين ووسائله ومنهجه التطويري.

   يتكون هذا الكتاب من جزأين، يبين الجزء الأول المتاهات التي وقع فيها المسلمون وأبعدتهم عن المنهج والمسار الصحيحين، وأصل المتاهات إغفال غايات الخلق وسبيل تحقيقها، وعدم جعلها عند أعلى مستويات التركيز والاهتمام، وبالتالي اهمال التعرف على متطلبات تحقيقها، على المستويين الجماعي والفردي، مما أدى إلى تشويه الدعوة وانحرافها بدرجة كبيرة عما أريد لها، وهكذا أخفقت جهود وطاقات حتى المخلصين من أتباع الدعوة في المساهمة نحو تحقيق الأغراض الكونية، وكانت بالحصيلة المدخل الضيق إلى المتاهة أو المتاهات الواسعة للدعوة.

   يقدم الجزء الثاني الإطار العام للمنهج القرآني الأصيل، ويتضمن مقدمة وعدداً من الفصول، وتشرح المقدمة المنهج الفكري المعتمد في تبيان هذا المنهج، ومنطلق المنهج هو معرفة غايات الخلق ومسار تطوره، ففي البدء خلق البشر للخلافة في الأرض، وكل البشر خلفاء، وللخلافة غايات عظمى، وتندرج هذه الغايات تحت غايتين رئيستين هما الإحياء والإصلاح.

تحميل كتاب من سيخرج المسلمين من التيه PDF - د. حامد العطية

هذا الكتاب من تأليف د. حامد العطية و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها