تحميل كتاب فقه الدين والتدين pdf الكاتب د. عبد الرقيب الشامي

خاطب الله عز وجل الإنسان بالدين المتمثل بالوحي؛ ليتفاعل معه، وينفعـل بـه في حياته تصورًا وتطبيقا؛ حتى يقدم جهدًا مقبولاً في تحقيق مهمة الاستخلاف في الأرض، المتمثلة بتحقيق العبودية لله تعالى، وعمارة الأرض واستثمارها وفق منهج الله بما يصلح الإنسان، ويحقق له الخير والمصلحة في سائر مجالات حياته.

والدين أعظم نعمة امتن الله بها على عباده، قال تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: ٣].

فهو الهادي والمبين لمنهج الله تعالى الذي يجب على الإنسان سلوكه؛ حتى يحقق غاية وجوده، وهو حاجة ملحة، وضرورة تفرضها طبيعة المرحلة، وطبيعة الحقيقة الإنسانية وحقيقة الكون من حوله.

ورغم ما زود الله الإنسان من مقومات تعينه على التعرف على طبيعة هذه المرحلة، من العقل والفطرة والتجربة، وغيرها إلا أنها لا تستطيع أن تصل إلى الصواب في تفاصيل ودقائق ما يحتاجه الإنسان في هذه الحياة، مع ما قد يجتاح العقل والفطرة من المؤثرات والعواصف التي قد تغير مسارهما إلى الوقوع في بعض الانحرافات والضلالات واستحسانها، والتدين بها، أو فرضها قانونًا ملزمًا للناس، وهذا ما حدث خلال التاريخ البشري، ولذا كان من رحمة الله بالخلق تعاهدهم بالرسالات المتتابعة كلما ابتعد الناس عن هداية الوحي، وتراكمت على مجريات حياتهم صنوف من الظلمات والضلالات؛ لتعيدهم إلى المسار الصحيح الذي يعينهم على تحقيق مهمة وجودهم في هذه المرحلة، وتحقيق السعادة لهم في الدنيا والنعيم في الآخرة.

والمطلوب من المسلم التعرف على مراد الله تعالى، ثم تحويل هذه المعرفة إلى واقع مجسد في مختلف تصرفاته في سائر شؤونه ، وهذا هو مقتضى التدين.

ونظرًا لما حصل ويحصل من الأخطاء في الخلط بين مفهوم (الدين) ومفهوم (التدين) في تجاذب بين طرفين، أحدهما: أنزل الدين عن مقام القدسية؛ وجعله محلاً للنقد والمراجعة، ونزع منه البعد الإلهي، وأضفى عليه البعد البشري والسمات والخصائص التي يتصف بها الخطاب البشري.

والطرف الثاني: اعتبر الاجتهادات البشرية في التفسير والفهم والاستنباط، والجهود التاريخية في التطبيق والتنفيذ، والاشتقاق للنظم والبرامج الحياتية مــن النـصوص بمنزلـة الدين والوحي المعصوم، وأضفى عليها شيئًا من القدسية بمنع مراجعتها وتصويبها، وحظر استئناف الاشتقاق للنظم الحياتية وفق النصوص والقواعد العامة بما يتناسب مع التحولات الكبيرة التي تشهدها حياة المجتمع المسلم في سائر جوانبها، والجمـود عـلى النظم والبرامج الظرفية التي كانت نتاجًا للتفاعل مع ذلك الواقع وذلك العصر، كل هذا وغيره يفرض على الباحثين والمفكرين ضرورة إعادة النظر في توصيف مفهوم الدين ومفهوم التدين، وتوضيح معالمها، ووضع كلّ في مقامه، ومنزلته المناسبة؛ كي نحفظ للدين مكانته، ونعرف للتدين قدره ومجالاته.

وهذا هو ما دعاني للوقوف مع هذا الموضوع لدراسته والإسهام في تجليــة معالمـه بـما يسمح به الوقت والجهد والإمكان؛ راجيًا أن يكون لبنة وإشارة في طريق ترشيد الوعي.

#د. عبد الرقيب صالح محسن الشامي

تحميل كتاب فقه الدين والتدين PDF - د. عبد الرقيب الشامي

هذا الكتاب من تأليف د. عبد الرقيب الشامي و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها