تحميل كتاب روهات pdf الكاتب عبد الباقي يوسف

الحبُّ الكبيرُ يا حنيف هو ذاك الذي يكونُ بمقدوره أن يُساويَ بين شخصين في كلّ شيءٍ، يساوي بينَ النّاضِجِ والمُراهق، بينَ الثّري والفقيرِ، يساوي بين الأعراقِ والألوانِ والأديان، وإنْ فشلَ في ذلك فإنّه يا حنيف لا يكون حبّاً كبيراً، يكون نزوةً وسوف تذروه الرّياحُ.

أجل الآنَ وبعد مرورِ كلّ سنواتِ الغياب يدركُ بشكلٍ أعمقَ ممّا كانَ عليه أن أمام الحبِّ الكبيرِ تزولُ فوارقُ الأعمارُ والمالِ والجَاهِ واللّغاتِ والأديان، وإن لم تَزُلْ فإنه لا يكونُ حبّاً كبيراً، يكونُ نزوة.

الآن يدركُ أنّ زهرة كانتِ الحبَّ الكبيرَ الذي لامسَ شِغَافَ قلبِه ولم تكنْ نزوةً لأنّ امرأةً بحجمِ زهرة إذا حَظِي الرجلُ بها لا يمكن إلا أن يحبَّها الحبَّ الكبيرَ الذي يمتدُّ ويورقُ إلى آخرِ لحظةٍ من لحظاتِ العمرِ سواء كانت حاضرةً أم غائبةً.

زهرة، زهرةٌ أيْنَعَتْ في تربةِ قلبِ الطّفولةِ لا تقبلُ الذُّبولَ مهما انقطعتْ عنها المياهُ ومهما تقدَّمتْ بها السنواتُ، إنها غرسةُ الحبِّ الخالدة، لقد أعطَتْه كلّ شيءٍ على الإطلاقِ دونَ أن تُمَكِّنَه الظروفُ من أن يردَّ لها ولو شيئاً يسيراً مما أعطتْ، ولعلَّ هذا ما يجعلُه دائمَ الشُّعورِ بالإثمِ نحوَها.

أجلْ إنها المَرأةُ التَّأسِيسِيَّة الكُبرى التي أسَسَتْه، وبنَتْه لَبِنةٍ لَبِنة، وقدَّمَتْه للعالمِ، وهوَ ما يزالُ يشعرُ بأنّه تلميذَها، وما يزالُ يستمِدُّ من تلك العلاقةِ قوةَ الشخصيّة، والارتقاءَ، والمُرُوءةَ، والعطاء الذي لا حدود له.

ورغمَ مرورِ كلِّ تلك السّنواتِ فما تزالُ نفسُه تتوقُ للمرأةِ التي تكبرُه، إنه يشمُّ رائحتَها الزَّكيّةَ من كلِّ امرأةٍ يلتقيها وكأنّها توزّعَت على كلِّ النّساء اللواتي التقاهنِّ من بعدِها، المرأةُ التي لا يزيدُها الزمنُ إلا حضوراً في الذّاكرةِ والقلبِ.

كانتْ أحياناً تتمتمُ له: أتعرفُ يا حنيف؟ عندما تذهبُ إلى القامشلي، أرغبُ لو كنتَ مقطوعاً من شجرةٍ حتى تكونَ لي وحدِي ولا يأخذَك أحدٌ منّي لحظةً واحدة.

تحميل كتاب روهات PDF - عبد الباقي يوسف

هذا الكتاب من تأليف عبد الباقي يوسف و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها