تحميل كتاب حديث الذكريات - حلقات في الثقافة والأدب والسيرة الذاتية pdf الكاتب سالم زين باحميد

حلقات في الثقافة والأدب والسيرة الذاتية، كتبها الأديب سالم زين باحميد من اليمن، حضرموت في 60 حلقة، بأسلوب أدبي وسردي سلس، يحتوي على فصول من حياته الأدبية وحكاياته مع كثير من الأحداث في المنطقة العربية، والقامات العربية الثقافية مثل عبدالله بالخير وعلي أحمد باكثير، وعبدالله البردوني والمفكرالألماني البرتومورافيا، وغيرها من قصص القصائد التي كتبها وذكريات النشأة والأغتراب.. ليعرف الجيل كيف كانوا وأين صرنا؟

نُشرت في صحيفة (الأيام) يوم الأربعاء 9 أغسطس 2017 
يُعد سالم زين باحميد من أبرز شعراء حضرموت في العصر الحديث. فمنذ الاستقلال في 30 نوفمبر عام 1967وحتى وفاته في مارس 2012، من النادر ألا نراه ونسمعه يلقي إحدى قصائده في المناسبات الوطنية والتربوية والاجتماعية. وهو من مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. وبفضل جهوده تم تأسيس شعبة للاتحاد في مدينة سيؤن منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان قياديا ومشاركا فاعلا فيها. وبتأثير ما كتبه عبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور وبعض الشعراء العرب الآخرين الذين كان مثابرا على قراءتهم، رأى سالم زين باحميد في مطلع عام 1988 أن يشرع في الكتابة عن تجربته في الشعر، وقَبِل في شهر أبريل من العام نفسه أن يتم إدراج اسمه في برنامج فعاليات شعبة سيئون لاتحاد الأدباء للفصل الثاني ـ إبريل / يونيو من عام 1988- بمشاركة بعنوان: (تجربتي الشعرية في المهجر.( وقد تم طباعة نص تلك المشاركة بالاستنسل. 
وفي عام 2016 أصدرت مكتبة الشيخ سالم بمدودة، تزامنا مع الذكرى الرابعة لافتتاحها، أول إصداراتها الذي يحمل عنوان (حديث الذكريات، حلقات في الثقافة والأدب والسيرة الذاتية). والكتاب يضم حلقات نشرها الشاعر باحميد قبيل وفاته، في شهر أبريل 2012، في أعداد صحيفة (سيؤن)، من العدد صفر إلى العدد 73، مارس 2012. وتتضمن الحلقات الثلاث الأولى من الكتاب النص الذي ألقاه الشاعر في شعبة سيؤن لاتحاد الأدباء عام 1988، ولم يدخل المؤلف على نصه الأصلي إلا تعديلات طفيفة جدا. وسنحاول في السطور الآتية أن نسلط الضوء على الأبعاد الشعرية والأبعاد السردية النثرية في كتاب (حديث الذكريات)، وأن نبيّن إن كان باستطاعتنا تصنيفه ضمن متن السيرة الذاتية الحضرمية. 
في تلك الفترة، عام 1988، كان الشاعر، الذي ولد في عام 1936، يؤكد أنه لا يزال في بداية تجربته الشعرية، وكتب: “لأنني قضيت قرابة الثلاثين عاماً في محراب الشعر ورحابه، ولكون هوس الشعر وهاجسه لم يفارقني ولأن أصدقائي وإخواني سلمهم الله أبوا إلا أن يُعدّوني واحداً من الشعراء ويطلقون على ما أكتب شعراً، فقد زيّنت لي نفسي، عندما طُلِب مني إدراج أسمي في برنامج شعبة سيئون لاتحاد الأدباء للفصل الثاني ـ إبريل / يونيو من عام 1988م ـ أن أشارك تحت هذا العنوان: تجربتي الشعرية في المهجر. ومعذرة على هذا التعبير، فإنني رغم محاولاتي العديدة وحصيلتي التي تبلغ حتى الآن سبعة دواوين شعر، أعتبر نفسي لا أزال في أول الطريق، وما أطول دروب الشعر وأبعدها”. 
في الفصل الأول من (حديث الذكريات) يبيّن المؤلف الأهداف التي من أجلها شرع في الكتابة عن نفسه، ويضع في مقدمتها: رغبته في تعريف قارئه على خطواته الأولى في عالم الشعر، فهو يقول: “لقد عانينا الكثير في البحث عن معالم المراحل الأولى لبعض أدبائنا ومفكرينا الذي رحلوا ولم يكتبوا عن أنفسهم ولم يعن أحد بتاريخهم، وما زلنا نعاني الكثير.. وكثيرا ما طُرِح عليَّ مثل هذا السؤال للكتابة عن سيرتي الذاتية. لهذا فأني أتحدث قليلا عن مراحل حياتي الأولى”. ص4 
ومن الأهداف التي يرمي باحميد إلى تحقيقها: إكساب القارئ شيئا من المتعة والفائدة وذلك من خلال تذكيره ببعض قراءاته ومواقفه القديمة. كما يذكر أنه يريد أن يطلع قارئه على معاناته وتطوّر مسيرته الشعرية، وقد عبّر عن ذلك قائلا: “سأضع أمامكم ما قد يجد بعض القراء فيه متعة وفائدة، وإذا استطعت أن أحرك فيكم العودة إلى ذكريات ومواقف عشتموها، وإذا استطعت أن أحرك تفكير أحدكم بما كتبت، أو أرده إلى قراءات قديمة له، إذا استطعت ذلك فقد حققت بعض ما أهدف إليه، وليس هذا بقليل… ولتتعرفوا على معاناة فتى عانى وأحسّ وكتب. وأني قد لا أرضى اليوم عما كتبته منذ سنوات، وقد أرى تعبيرا ما ينبغي أن يُبدّل بغيره، ولكني آثرت أن أبقي ما كتبت كما هو حتى تتعرفوا على مدى التطوير والتغيير [في تجربتي الشعرية]”.ص3 
الأبعاد الشعرية في (حديث الذكريات): 
يُعرّف فيليب لوجون السيرة الذاتية المعيارية بأنها سردٌ نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك حينما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخه الشخصي. ونحن حينما نسلِّم مع فيليب لوجون أن معظم نصوص السيرة الذاتية تعتمد السرد والنثر، نؤكد أن هناك عدداً كبيراً من السير الذاتية التي كُتِبت شعراً، منها سيرة الشاعر الفرنسي الكبير فيكتور هوجو الذي يقدم ديوانه الرئيس (التأملات) على أنه سيرتُه الذاتية. وفي الأدب العربي كتب محمود درويش ملامح من سيرته الذاتية في أربعة من مؤلفاته هي: (يوميات الحزن العادي)، و(ذاكرة للنسيان)، و(في حضرة الغياب)، و(أثر الفراشة)، وقد مزج في بعضها الشعر بالنثر. 
وبالنسبة لنصوص السيرة الذاتية في حضرموت، سبق إن لاحظنا أن علي بن حسن العطاس قد حرص على مزج الشعر بالسرد النثري في نص سيرته الذاتية (سفينة البضائع وضمينة الضوائع). وقام ربيّع عوض بن عبيد الله بتضمين سيرته الذاتية (رحلة الكويت وصحبة الوفاء) ملحقا يحتوي على خمس من قصائده الطويلة. 
ويهيمن الشعر كذلك وبشكل واسع في معظم فصول كتاب سالم زين باحميد (حديث الذكريات)، وبالمقابل- تتقلص فيه مساحة السرد النثري، الذي يقتصر دوره على تقديم الأحداث أو المناسبة التي قيلت فيها قصيدة أو أكثر للمؤلف نفسه، وفي بعض الحلقات، لشاعر آخر. ويضمن سالم زين باحميد كل حلقة من حلقات كتابه نص القصيدة التي يقدمها أو جزءاً كبيراً منها، أي أن الشاعر باحميد يجعل من القصائد محطات لحياته. 
وجزءٌ فقط من تلك القصائد والأحداث المرتبطة بها يرتبط بحياة المؤلف مباشرة، أي بسيرته الذاتية؛ فهو، مثلا، يضمّن الفصل/الحلقة الأولى (البدايات كيف كانت؟) التي يبدأ فيها الحديث عن حياته، قصيدةً كتبها عن مسقط رأسه مدودة، ويقدمها على النحو الآتي: “كانت نشأتي عادية وبسيطة كنشأة العديد من بسطاء بلادي. ولدت ببلدة مدودة، تلك القرية القديمة التي ذكرها الهمذاني في كتابه (صفة جزير العرب) في القرن الرابع الهجري، والتي كتبت لها قصيدتي (مدودة): بلدةٌ كلها جمال وعطرٌ***راية الحبّ فوقها معقودة… وهي قصيدة كتبتها في أديس أبابا عام 1959 وقد سُئِلتُ عن مدودة”. ص4-5 
وهناك حلقات يمزج المؤلف في تقديمها السردي بين الخاص والعام. فهو مثلا في الحلقة العاشرة (حقائب المسافرين.. والحدود الهزيلة) يتحدث عن زياراته المتكررة لحضرموت التي أدى انقسامها بين سلطنتين إلى تعدد الضرائب المفروضة على المسافرين. وكتب في بداية الحلقة: “عند مغادرتي الأولى لأديس أبابا عام 1959، كتبت قصيدتي (ذكرى)ونشرتها في صحيفة (الطليعة، العدد 204، 20 يونيو 1963)، ومنها،[…] ومن وحي عودتي الثانية إلى حضرموت في زيارة قصيرة عام 1963 كتبت قصائد منها (المكلا وعودة شاعر) قلت فيها: 
أكتب في الريّان هذا، قبل أن أطير 
أكتبه من قبل أن أستأنف المسير 
أكتبه والقلب في دوامة يدور 
إلى المكلا بلدي لم أطق العبور 
خوفا من الإذلال والإرهاق في العشور 
متى أراها بلدي واحدة الثغور 
ويرتع الفرد بها ماض بلا فتور 
نمرح في أرجائها نحيا وفي حبور 
والكل فيها إخوة منشرحي الصدور 
كتبتها في مطار الريان في 16 نوفمبر 163 وأنا في حالة من الانفعال والتأثر، وأرسلتها فورا من المطار إلى صحيفة الطليعة بالمكلا، التي نشرتها في العدد 227 بتاريخ 28 نوفمبر 1963، وكنّا نعيش تمزق رهيب بين السلطنات وكانت الحواجز ونقاط التفتيش والجمارك والعشور تلاحقنا ما بين مدينة وأخرى في كل منعطف وواد، وكانت حقائب المسافرين تتناثر على أرصفة الطرقات في خرافية هزيلة”. ص37 
وبالمقابل هناك قصائد/حلقات لا ترتبط بحياة الشاعر الخاصة مباشرة، بل بالحياة العامة فقط وبمختلف جوانبها. مثلاً، تتضمن الحلقة الرابعة والثلاثين (حريق الأقصى، ص116-ص120)، قصيدتين ومقطعين طويلين من قصيدتين أخريتين، ترتبط كلها بالقدس. وقد بدأها على النحو الآتي: “في أغسطس 1969 أقدمت اسرائيل على فعلة شنيعة منكرة؛ وهي إحراق المسجد الأقصى، وقد أثار هذا الحادث المروع العالم العربي والإسلامي. وفي صبيحة يوم الجمعة 22 أغسطس 1969، وبينما قريتي مدودة تتحدث في حزن وغضب عن الحادث الأليم ظهرت على الورق قصيدتي التالية (نداء لجهاد أكبر): أحريق الأقصى يفزعنا؟ لا، أبدا، أمة صهيون […]”. ويضمّن الشاعر الحلقة قصيدة أخرى طويلة يتحدث فيها عن إسراء النبي إلى بيت المقدس. وكان باحميد قد ربط في الحلقة الأولى من ذكرياته بين مولده وأول ثورة فلسطينية، إذ كتب: “كان ميلادي عام 1354هـ /1936م، وللصدفة العجيبة والغريبة فقد كان هذا العام 1936 هو عام الثورة الفلسطينية الأولى ضد الانتداب البريطاني.. فكأن قدري وقدر فلسطين متلازمين، فأن لفلسطين في نفسي لهفة وصدق، وقد اقتصر ديواني (قدس لبيك) على بعض قصائدي التي كتبتها في فلسطين”.ص5 
وكرّس باحميد أربعة فصول من كتابه للحديث عن بعض جوانب الحياة العامة في مدينة عدن التي انتقل للعمل فيها عام 1964. وكتب في الحلقة الثانية عشر (ليالي منع التجول في عدن): “من واقع معاش، ومن الأحداث التي نحياها، وما تمور به عدن من أحداث، لاسيما من وحي ليالي شهر سبتمبر 1965، ليالي حضر التجول من الساعة السادسة مساءً إلى الساعة الخامسة صباحا في حي كريتر عدن، كتبت قصيدتي (رسالة أبي والساعة السادسة) التي ضمها ديواني (وجه الغفاري): 
أبي! وساعتي هنا ترشدني لساعة الخطر 
أتعرفون ساعة الخطر؟ 
السادسة مساء كل يوم ساعة الخطر 
والناس يهتفون يا أبي هنا 
السادسة يا أيها الرفاق، السادسة عودا إلى البيت [..]” ص41 
كما ضمّن باحميد الحلقات العدنية من كتابه (حديث الذكريات) إحدى قصائده الغزلية النادرة التي كان قد ألقاها عبر موجات إذاعة عدن ضمن برنامج (في رحاب الشعر) عام 1965، وقد بدأها قائلا: 
“حبيبتي، أي حرف يطيق حمل شعوري؟ 
إليك، يا كل حبي، يا فرحتي، وسروري […]” ص39 
وحتى أصدقاؤه وزملاؤه وشيوخه لا يقدمهم الشاعر سالم زين باحميد في (حديث الذكريات) إلا من خلال القصائد التي قالها فيهم أو قالوها هم فيه؛ مثال على ذلك الحلقات التي كرسها لكل من زميليه: الأستاذ المرحوم عبد القادر محمد الصبان والمؤرخ جعفر محمد السقاف. 
ونعتقد أن سالم زين باحميد، مثل علي بن حسن العطاس، لم يلجأ للشعر سعيا لاستعراض قدرته على النظم أو ليُزيِّن نصه، بل نرى أنه كان يرمي من خلاله للتعبير عن باطنه وآلامه ومعاناته وانفعالاته، فمن المعلوم أن الشعر أنسب من النثر للإفصاح عن مختلف الانفعالات الشعورية العميقة بما فيها: الغضب والحب والكراهية. ويبدو لنا أن مؤلف (حديث الذكريات)، قد سعى إلى التعبير شعراً عن بعض المواقف -لاسيما العاطفية- التي لم يكن ليستطيع تناولها نثرا. وقد رأى الناقد الأمريكي دويت راينولدز أن الشعر في نصوص السيرة الذاتية العربية “يعمل كشفرة مقبولة للتعبير عن أشياء قد لا تقبل ثقافيا إذا تم التعبير عنها بلغة أو أفعال واضحة. وإذ أنه من غير المناسب أن يفقد الإنسان السيطرة على انفعالاته، فقد كان التعبير عن المشاعر المهتاجة نفسها في النظم يقدم بديلا مقنعا من الناحية الاجتماعية” (ترجمة النفس: السيرة الذاتية في الأدب العربي القديم، ص142) 
الأبعاد السردية النثرية في (حديث الذكريات): 
في الحقيقة ليس هناك فصول تخلوا تماما من الشعر في كتاب (حديث الذكريات)، لكن نلاحظ أن السرد النثري يهيمن في الحلقات/الفصول الخمس الأولى، التي يكرسها المؤلف لسرد طفولته وصباه في مدودة وسيؤن وسفره إلى أديس أبابا. وفي رأينا أن تلك الحلقات تُعد الأكثر إثارة وتشويقا في نص سيرة باحميد الذاتية؛ فهو يسرد فيها الأحداث التي جعلته يغادر مدودة إلى سيؤن، ثم يغادر مدودة إلى أديس أبابا قبل أن ينهي العقد الثاني من عمره. فهو يسرد في الحلقة الأولى: “في عام 1361هـ وأنا أخطو في عامي السابع، أصيبت قريتي ـ مدودة ـ بنكبة مدمرة إذ نشب فيها قتال في شهر شوال 1361هـ قتل فيه أشخاص عدة في قتال شرس استمر من بعد العصر الى ما قبل المغرب، تصوروا فقد تركت هذه الحادثة أعمق الأثر في نفسي، وفي صباح اليوم الثاني للمعركة تسلل بنا أبي إلى مدينة سيئون، هذه المدينة التي أكن لها حباً عظيماً، وقد غنيت لها كثيراً في شعري، ففيها تعلمت أول حرف أذكره، ففي مدرسة النهضة كان لي شرف الانتساب والانخراط بين تلاميذها، فقد أدخلني أبي المدرسة فوراً، ومن الأساتذة الذين أذكرهم الأستاذة الأجلاء عيدروس بن سالم السوم السقاف، وشيخ بن محمد السقاف، وعبدالرحمن بن عمر بن حامد، أما الذي قام بتدريس الصف الذي كنت فيه فهو الشيخ الفاضل احمد بن عمر باحميد على ما أذكر، أمد الله في عمره. ظللنا بسيئون قرابة السنوات الأربع حيث عدنا إلى مدودة في أواخر عام 1365هـ. […] عدت إلى مدوده وشعوري يختلف عن الأول، عدت وفي القلب حزن وألم فقد أودعنا بعض الأحبة مقابر سيئون، إنها ذكريات لا يزال لها صدى بأعماقي. ثم سافر أبي إلى أثيوبيا والتحقت بمدارس أهلية بمدودة وقد كان لأستاذنا المربي الكبير أحمد عبدالله باسلامه خريج مدرسة الإرشاد بسوربايا بإندونيسيا الفضل في دفعنا إلى دنيا الأدب وعالمه، فقد كان رائدنا بحق، وظل ينظر الينا رفاقي وأنا ونحن نحاول الوقوف على أعتاب عالم الأدب قبل ان نتطلع إلى السير فيه، كان يدلنا على الطريق وينير لنا الدرب ويفتح لنا عوالم الأدب المسحورة، ويمضي بنا في آفاق العربية شعراً ونثراً نحواً ولغة، لقد جاب بنا هذا الأستاذ القدير عوالم المتني وأبي تمام والبحتري وشعراء المعلقات، كما عرّج بنا على خطباء العربية وبلغائها، وعلى الأدباء والمفكرين قديماً وحديثاً لقد وضع أيدينا على مفتاح الأدب العربي وأضاء لنا الطريق ورفع لنا المشعل فمضينا بخطى ثابتة مستمرة، نمّى فينا هذا الأستاذ الذوق الأدبي وصقل المواهب الكامنة في نفوسنا.”ص7-8 
والحلقة الأخيرة من الكتاب هي الوحيدة التي يكاد الشعر أن يختفي منها؛ فهي على الرغم من طولها (ست صفحات ص214-221)، لا تتضمن إلا ثلاثة أبيات من الشعر. وقد كرسها الشاعر لسرد الأحداث التي وقعت له خلال مرافقته للأديب الإيطالي البورتو مورافيا الذي زار سيؤن في مطلع شهر يناير من عام 1985. وإضافة إلى سرد الأحداث تتضمن تلك الحلقة حوارا حيّا بين باحميد والأديب الإيطالي، وقد تناولا فيه اهتمام مورافيا بالإسلام، والمخرج بازوليني الذي قام بتصوير أحد أفلامه في سيؤن والكاتب الفرنسي روجيه جارودي. ومما جاء في ذلك الحوار: “قلت للمترجم الشيباني: أسأل مورافيا ماذا كتب بعد كتابه (أنا وهو)؟ وعندما سأله الشيباني التفت إليّ مورافيا مبتسما وهزّ رأسه إعجابا بسؤالي وقال: كتبت عدة كتب ولا أدري هل ترجمت للعربية أم لا. ثم سأل: هل قرأت (أنا وهو)؟ وما رأيك فيه؟ فأجبت: قد تكون معالجة الموضوع وسيطرة الجنس بهذه الصورة غريبة على المجتمع العربي. فأجاب: قد يكون ذلك، لكن عندكم كتاب (ألف ليلة وليلة) الذي تكلم كثيرا عن الجنس. فقلت له: إن تناول ألف ليلة وليلة للجنس يختلف عن تناولكم! فقال: هذا صحيح. وأخذ يقول: إنني حاولت أن أصف حالة الرجل وما يشعر به من تناقض في هذه المسألة. ثم دار الحديث حول ألعاب الزف وما إلى ذلك”. ص215 
وفي ختام هذه القراءة نرى أنه يمكننا أن نضع كتاب (حديث الذكريات، حلقات في الثقافة والأدب والسيرة الذاتية) ضمن متن السيرة الذاتية الحضرمية. فالمؤلف يبيّن في العنوان (التحتي) أن الكتاب يحتوي على حلقات سيرته الذاتية. وهناك تطابق بين المؤلف والراوي. وإذا كانت مساحة السرد النثري تتراجع بعض الشيء فالقصائد التي يحتويها النص تساعد المؤلف في كثير من الأحيان على التعبير عن مشاعره وعواطفه ورغباته. ولاحظنا كذلك أن المؤلف استطاع أن يطلع قارئه على أهم المنعطفات المحطات الرئيسة في حياته الشخصية. ويمكننا القول إنه قد أعطا للخاص الأولوية في نصه السيرذاتي، الذي يحتوي كذلك على كثير من المعلومات حول الحياة العامة في حضرموت وعدن وأديس أبابا.

بقلم أ. د. مسعود عمشوش 

تحميل كتاب حديث الذكريات - حلقات في الثقافة والأدب والسيرة الذاتية PDF - سالم زين باحميد

هذا الكتاب من تأليف سالم زين باحميد و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها