تحميل كتاب بروين pdf الكاتب عبد الباقي يوسف

في رواية "بروين" التي صدرت في دمشق سنة 1997يتعلق الشاب / السارد بـ ” بروين ” الأنثى القريبة البعيدة، ولا يصل إليها، فتسيطر عليه بكيانها، وتجثم في مخيلته ليصوغ منها أنموذجاً فريداً من الجمال العلوي المقدس الذي لا يرتقي إليه جمال إنساني، فيناجيها وهي مكتسية، لا عارية، كل لحظة من لحظات العمر.

” إذن لماذا لا تشبهين نساء العالم، أأنهض وأطفئ الضوء. أتحبين الألوان الخمرية الخافتة ؟. أتستحمين بنور مخملي. . حدّثي الأشياء. . حدّثي الباب. . النافذة. . الستائر. . الجدران. . يأتي العاشق…

انهضي أيتها القديسة، ودوسي بقدمك المباركة على عضلة قلبي. . دوسي كما تدوس القديسات في زوايا الكنائس الصامتة… . أي صمت برويني ثري يملأ الغرفة.

أبدعي أيتها المرأة الرحيمة. أبدعي يا طفلة الذئاب الجبلية بروني دمى. . دعيني أنظر إلى بنطالك الأسود الفاقع. . إلى قميصك الأبيض. . انهضي. . مارسي كل حركات عارضة أزياء خجولة. . وأنظر. . وأنظر… إلى ما لا ارتواء. . وأنت واقفة سأنظر. . وأنت جالسة سأنظر. وأنت غائبة سأنظر. . وينساب شلال النظرات من قمة جبل مرتفع. . بروين أتحبين الرقص ؟. ” ص (96)

والمقابل تأتي ” كليستان ” التي اختزل فيها الجسد إلى مجرّد عضو للأنوثة، ووقفت عند مسألة نظرة الذكورة إلى الأنثى المادية البحتة، والتي لا ترتقي عن النظر إليها إلاّ من خلال الجسد الذي يتكثّف كله في ” بؤرة مندّاة ” وتدين الرواية هذه النظرة المادية، فـ ” كليستان ” الفتاة المثلية تقول للسارد ” أحدكم وهو يرى فتاة جميلة أول ما يخطر بباله انتهاك عذريتها” ص (64) .

في رواية ” بروين ” يغدو الجنس هدفاً بالنسبة لبعض الشخصيات الروائية ، وتبرز أمامنا على البياض أشكال الأعضاء التناسلية غافية ومهتاجة. لكل من ” هالة ” و ” السارد ” الفحل الذي يفحّ: ” تمدّ يدها إلى عضوي. تقول: هذا لي. لهالة، هاهو ينهض على هالة مثل حصان كما اعتدته. دعه يخترق معدتي وكبدي. دعه يقبّل زهرةَ هالة، ويمزّقها. ألم يحنُّ لزهرتي ؟. . تأخذني في حضنها. تمسك برأسه، وتدسّه في عتمة الوردة.. . ” ص (22)

إن إدمان الكاتب على دراسة الجسد ولغته، ووظائفه، جعله يستغرق في البحث عن مواطن الإثارة، والوقوف على خفايا العلاقة الطبيعية والشاذة، والشرعية منها والناشزة، فـ ” هالة ” ارتبط وجودها في الرواية بالجسد، والهوس الجنسي، وقد واجهت العنت في جميع علاقاتها الذَكَرية. ليس على صعيد الأسرة فحسب، وإنما على الصعيد الاجتماعي بأسره. بدءاً من الطبيب الذي تعمل ممرضةً في عيادته، حيث اغتصبها، فحملت منه، ثم ساعدها على إسقاط الجنين ” وأصبح الطبيب يداوم على هذه الممارسة معي… لقد أحالني إلى عاهرة ” ص (90) . ومروراً بالأب الذي أرغمها على الزواج ممن لا تعرف ولا تحبّ:

وانتهاء بالزوج والعشيق، حيث عاملها الأول معاملة غير إنسانية. أذهلها عن نفسها حين أخذ يمارس معها الفعل الشاذّ منذ لحظة الزفاف الأولى، وحتى نهاية العلاقة، فغدت مجرّد بؤرة لتفريغ الجنس، ولكن بطريقة شاذة، تُرضي نزعة الذَكَر الذي لم يعبأ بمشاعرها العاطفية:

قلت: لا يا بشير. . ستؤلمني… ولم أحسّ إلاّ بحيوانه بين فخذي…

هربتُ من الفرشة، و نمت في المطبخ. . لكنه جاء في اليوم التالي، وضاجعني في المطبخ بذاك الأسلوب. . ” ص (92)

إن قوة الذَكَر تتصاعد. إذ يتمادى في شذوذه، وفي مقابل تمادي الزوج في طغيانه، تجد الزوجة نفسها منبوذة مستصغرة، لأن ” بشير ” يرى: ” النسوان مثل الأحذية بالنسبة للرجل. كلما اهترأت، وجد البديل. ” ص (20) لذلك تحافظ على علاقتها السرية بالطبيب، وتتعاطى – من أجل ذلك – حبوب منع الحمل. .

إن علاقةً زوجيةً تقوم كهذه تكون نتيجتها التفكّك، فتغدو علاقة ذَكَرٍ عبدٍ لشذوذه، بأنثى مستضعفة، تستكين إلى قدرها .

والثاني العشيق الذي توخّت أن تعوّض بعلاقتها معه ما افتقدته في الزوج، لكنها ما إن أنست إلى جسده، حتى وجدته يميل إلى غيرها، فيملّ من جسدها، ويطردها، مستعملاً معها القوة، لذلك أخذت تتذلّل إليه، وتسترضيه. تريق أمامه ماء وجهها، بعد أن أراقت، في أحضانه، كرامة جسدها:

” – أنتِ الآن. ماذا تريدين مني ؟. . كفى. لقد ضاجعتك في الأيام الماضية وانتهى كل شيء. هل كُتب عليّ أن أضاجعك إلى الأبد ؟ ” ص (20)

” أيّ شيء آخر تريد وسأقدّمه لك. . سأسرق. . سأتسول. . سأعمل. . سأبيع ثيابي وأغراض بيتي. . أرجوك كن لي. . اضربني. . اشتمني. . شدّ شعري بقسوة. . اصفعني بعنف. . ضاجعني. . أنا كلبتك. . ” ص (21)

- اخرسي يا هالة.

-… .

- قردة وابنة (قردة) …

- كنت أعرف بأنك تعاملني كزانية. لكن لن أتركك. سأفضحك وأنتحر.. ”

… رفعت رأسها تنظر إلي بعينين دامعتين والدم الأحمر ينـزف من فمها. . ” ص (22)

تبدو ” هالة ” أنثى مهزوزة الشخصية، تجسّد همّها الكليّ بجسدها، ولكن من خلال امتهان وابتذال أكّد أنها كانت بغير مشروع، مما أوقعها في مشكلات لانهاية لها، فهربت لعلها تجد خلاصاً، لكنها لم تكن تحسب ما يمكن أن يؤول إليه هربها، وأنها لم تهرب إلى من يساعدها على رفع الظلم البطريركي عنها. الأمر الذي جعل منها أنموذجاً حادّاً للضياع الأنثوي بسبب استضعافها من جهةٍ، واستكانتها من جهة ثانية، إذ تتكالب الذكورة المستفحلة على جسدها، حتى إذا ما شبعت منه نبذته، وهذا ما شعرت به، حين وجدت العشيق يعاملها كزانية، وهذا من شأنه أن يحوّلها إلى جسد ممتهن منبوذ (قردة، وابنة قردة) تفقد فيه قيمته (اللّذية) بعد أن فقدت قيمتها الإنسانية لدى الزوج، الذي (يبدّلها كما يبدّل حذاءه المهترئ).

لقد حاولت ” هالة ” أن تتخلّص من ضعفها أمام الذكورة، وأن تخلّص جسدها من امتهان جديد، وذلك بالاحتجاج الواهي على قرار أبيها بأنها لا تعرف الزوج الذي سيربطها به، لكنه كان احتجاجاً سلبياً يائساً، وهي إذ أبدت اعتراضها على نعتها – من قِبَل العشيق – بالقردة، إلاّ أن ذلك أيضاً لم يرقَ إلى مستوى الاحتجاج والتمرّد، مما جعلها تنهار أمام جبروت الذَكَر، وتلخّص رؤيتها الحيوية كلها في (بؤرتها الجسدية الجنسية) فتنبري تستجدي العشيق بدموعها، وتستعطفه بعبارات مبتذلة، انهالت بعدها عليه تقبّله في كل موضع من جسمه، وتتوسّل:

“. . أنسيت كيف كنت أمنحك جسدي، وتفعل به ما تشاء ؟. ” ص (21)

وهي بهذا التذلّل للعشيق. تظهر مدى الضعف الأنثوي المستحكم في نفسها. إضافة إلى معاملة الاستضعاف والدونية التي عاملها بها كل من الذكر/ الزوج، والعشيقان: الأول والثاني. ومن ثم. . تحرّش عمها / والد زوجها بها، كما سيمرّ في العلاقة الزوجية المتفككة – كل ذلك أدى بها إلى الهروب والضياع واختفاء الأثر، غدت معها لغة الجسد غير ذات جدوى.

تحميل كتاب بروين PDF - عبد الباقي يوسف

هذا الكتاب من تأليف عبد الباقي يوسف و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها