تحميل كتاب المنشق: ريبورتاج المرايا والظلال pdf الكاتب أحمد ضحية

المنشق: ريبورتاج المرايا والظلال هو الجزء الثالث من ملحمة "صانع الفخار" التي صدر جزئها الاول "آلام ذاكرة الطين" عن دار مدارات للطباعة والنشر والتوزيع، الخرطوم ٢٠١٦.

وصدر الجزء الثاني "المقدس سره" عن دار لوتس للطباعة والتوزيع والنشر الحر، القاهرة ٢٠٢٠.

وها هو الجزء الثالث: المنشق - ريبورتاج المرايا والظلال، صدر عن دار بسمة للنشر الاليكتروني، المغرب ٢٠٢١.

مقتطف من المنشق:

لحظتان ﻟﻦ ﺗﻨﻤﺤﯿﺎ ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻪ: اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺎدر ﻓﯿﻬﺎ ﻣﺴﻜﻦ ﻫﯿﻠﺪا ﺑﻌﺪ ﺳﻬﺮّة داﻓﺌﺔ، ﻓﯿﻤﺎ ﻛﺎن النّهار ﯾﺘﻤﻄﻰ مشرئباً ﺧﻠﻒ ﻧﺎﻓﺬة ﻣﻜﺘﺒﻪ، عندما أُعتقل! 

واﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻓﯿﻬﺎ اﻟﻨّﻬﺎر ﯾﺬّوي، والشمس ﺗﺘﻬﺎوّى خلف اﻷﻓﻖ اﻟﻐﺮﺑﻲ، ﻓﯿﻤﺎ الجنكويز ﯾﺪﻓﻌﻮﻧﻪ إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ، ﻓﯿﻄﻮي ﻟﯿﻞ اﻟﺒﻠﺪة، آﺧﺮ اﻟﻨّﻬﺎرات اﻟﻤﺴﻜﻮﻧﺔ ﺑﺼﻤﺖ اﻟﻨّﺎس وﺑﺆﺳﻬﻢ، اﻟﺬي اﻧﻔﺠﺮ بغتةً ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ اﻟﻤﺪﻣﺮ! ﻓﺘﻼﺷﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء داﺧﻞ اﻧﻔﺠﺎرات ﺗﯿﺎر ﻏﻀﺒﺘﻬﻢ اﻟﻌﺎرﻣﺔ!.. 

ﻃﺮق ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب ﺑﺘﻮﺗﺮ.. ﺟﺎءه ﺻﻮت ﻫﯿﻠﺪا ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ: 

"ﺣﺎﺿﺮ، ﺣﺎﺿﺮ ﻟﺤﻈﺔ.." 

وﺗﻘﺪﻣﺖ ﺧﻄﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﺷﺮاﯾﯿﻨﻪ، وﻗﻠﺒﻪ ﯾﻨﺘﻔﺾ ﺑﺸﺪّة! 

وفيما كان جادين جانو يسترد أنفاسه من النيران التي أشعلتها هيلدا، كانت هتافات غفيرّة تنعقد في قبة البلاد الأسيرّة، والجموع تعتصم أمام القيادة العامة لقوات "الجنكويز" فيما صوت قطار دار صباح يهد القضبان هداً، ويمضي دون توقف.. يبطىء ليركب عمال المدن، كلات المواني، المراكبية، حشاشة القصوب، تربالة القرى فلاحين البلدات خارج التخطيط، تلاميذ المدارس، الأفندية، ليفرغهم جميعاً في ميدان الاعتصام! 

وﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﻮﻗﻒ الهتاف واﻟﻘﺼﻒ، ﻛﺎﻧﺖ اﻷرض ﻗﺪ زﻟﺰﻟﺖ زﻟﺰاﻟﻬﺎ، وﺗﺒﯿﻦ للمريود واﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ الآﺧﺮﯾﻦ، اﻧﻬﯿﺎر ﺟﺪران اﻟﺴﺠﻦ! 

كان الأهالي المغبونين قد اندفعوا يحطمون اﻟﺠﺪران اﻟﻤﺘﺪاﻋﯿﺔ ﻟﻠﺰﻧﺎزﯾﻦ.. ﺗﺪﻓﻘﻮا ﯾﻠﺘﺤﻤﻮن ﺑﻬﺬا اﻟﺴﯿﻞ اﻟﻬﺎدر، ﻟﻨَّﻬﺮٍ ﻣﻦ أرواح أﺑﻄﺎل ﻋﺸﺮاتِ اﻟﻌﺼﻮر، اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻗﺒﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد الأسيرّة.. انبثق ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﻜﻮﻧﯿﺔ اﻟﺨﺎﻟﺪة، ﻣﻦ ﻣﺴﺎم اﻟﻘﺒﻞ اﻷرﺑﻌﺔ! 

اﻟﺜﻮار اﻟﻤﺴﻠﺤﻮن ﯾﻘﻮدﻫﻢ اﻟﺨﺰﯾﻦ، ﺣﻤﻠﻮا أﺳﻠﺤﺘﻬﻢ وﻣﻀﻮا، ﯾﺤﻤﻮن اﻟﺠﻤﻮع اﻟﻬﺎدرَّة، اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻘﻮدﻫﺎ ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻔﺨﺎر، وﯾﻔﺴﺤﻮن ﻟﻬﺎ اﻟﻄﺮﯾﻖ، ﻟﺪك آﺧﺮ ﻗﻼع وﺣﺼﻮن، آﺧﺮ ﺣﺎﻛﻢ ﻋﺎم ﯾﻨﺤﺪر ﻣﻦ أﺳﺮَّة اﻟﻤﻘﺪس ﺳﺮه اﻟﻤﺎﻟﻜﺔ، ﺗﺴﺒﻘﻬﻢ ﻫﺘﺎﻓﺎﺗﻬﻢ وﻫﻢ ﯾﺤﻤﻠﻮن طيفاً متلاشياً ﻋﻠﻰ أﻋﻨﺎﻗﻬﻢ، يشق ﻫﺘﺎف روﺣﻪ ﻋﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء، وﯾﺮج اﻷرض رﺟﺎً: 

اﻧﻄﻠﻖ اﻟﻤﺘﻈﺎﻫﺮون، وﻣﺰﯾﺪاً ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻫﯿﺮ اﻟﺜﺎﺋﺮة، ﺗﻨﺸﻖ ﻋﻨﻬﻢ تغريدات "ود دَبرك".. تنشق عنهم ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﯾﺦ واﻟﺤﻜﺎﯾﺎت واﻷﺣﺎﺟﻲ.. ﺗﻨﺸﻖ ﻋﻨﻬﻢ اﻷرض، وﯾﺘﻘﺪﻣﻮن اﻟﺼﻔﻮف، ﻣﻤﺴﻜﯿﻦ ﺑﺄﯾﺪي ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ، وهم ﯾﺤﻤﻠﻮن بين جوانحهم أشباح أحبابهم. كانت ﺻﺪورﻫﻢ ﻋﺎرﯾﺔ، وهتافاتهم تشق ﻓﻀﺎء اﻟﺒﻼد الأسيرَّة اﻟﺮَّﺣﺐ، ﻛﻐﻀﺒﺔ رياح اﻟﻬﺒﺒﺎي الجسورَّة، وﻋﯿﻮﻧﻬﻢ ﺗﻠﻤﻊ كاﻟﺒﺮق اﻟﻌﺒﺎدي المخاتل! 

ﺟﺎءوا ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺞ.. 

ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻦ زﻗﺎﻗﺎت "اﻟﺒﻠﺪَّة اﻟﻘﺪﯾﻤَّﺔ".. ﻣﻦ ساحة صانع الفخار العتيقة، وميدان الحرّية، وبيوت القش والصفيح في أطراف المدن! 

جاءوا ﻣﻦ ﺣﻮاري اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺰَّاﻫﯿﺔ.. وﻣﻦ "أﻧﺪاﯾﺎت" اﻟﺒﻼد الأسيرَّة.. ﺟﺎءوا ﻣﻦ ﻓﺮﻗﺎن و "ﺣﻼﻻت" دار اﻟﺮﯾﺢ، وﻣﻦ "ﻛﺮاﻛﯿﺮ" اﻟﺠﺒﺎل واﻟﻮدﯾﺎن، ﺟﺎءوا!.. 

وﻣﻦ ﻏﺎﺑﺎت اﻟﺼﻌﯿﺪ، وﻣﻦ أﺳﻔﻞ اﻟﻨَّﻬﺮ، ﺟﺎءوا.. 

وﻣﻦ دار ﺻﺒﺎح ﺣﯿﺚ ﺗﺸﺮق ﺷﻤﺲ اﻟﺒﻼد الأسيرَّة، ﺷﺤﯿﺤﺔ وﻣﻨﻬﻜﺔ! وﺗﻮﺣﺪوا ﺟﻤﯿﻌﻬﻢ: اﻟﻤﺸﺮدﯾﻦ، اﻟﺴﺠﻨﺎء السياسيين المخضرمين ﻓﻲ ﺳﺠﻮن "الترح و تور الجر" ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﺳﻄﻮر ﻣﺬﻛﺮاﺗﻬﻢ، الكنداكات طالبات الجامعات، اﻷﻫﺎﻟﻲ اﻟﺬﯾﻦ ﻓﻘﺪوا ﻣﻼﻣﺤﻬﻢ، ﻓﺎﻛﺘﺴﺒﻮا ﻣﻼمحاً ﺟﺪﯾﺪة، ﻧﺒﻼء "كليوة اﻟﺒﺎﺋﺪة"، اﻟﺒﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺎرﻋﺔ اﻷرزاق، ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻗﺎت واﻷرﺻﻔﺔ، اﻟﺴﺎﻋﺎﺗﯿﺔ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻤﺎرﺳﻮن إﺻﻼح اﻟﺴﺎﻋﺎت، ﻓﻲ ﺑﺮﻧﺪات اﻟﻤﺤﻼت، ﻓﻠﻢ ﯾﻌﺪ ﻣﺠﺮى اﻟﺰَّﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮﻣﺎً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﻢ، ﻓﻬﺠﺮوا ﻃﺒﻠﯿﺎﺗﻬﻢ، وودﻋﻮا ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻨﺔ اليائسة ﺑﺤﺰن، ﺣﻤﻠﻮا ﻋﺪة ﺷﻐﻠﻬﻢ اﻟﺪﻗﯿﻘﺔ، واﻧﺪﻣﺠﻮا ﻓﻲ ﻣﺴﺎرات اﻟﺠﻤﻮع. 

تحميل كتاب المنشق: ريبورتاج المرايا والظلال PDF - أحمد ضحية

هذا الكتاب من تأليف أحمد ضحية و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها