تحميل كتاب العلماني والفقيه pdf الكاتب د. محمد حبش

في المؤتمر السادس عشر للتقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران قبل سنوات، طرحتُ مسألة الحوار الفقهي العلماني على بساط البحث، وطالبت بفتح صفحة جديدة في اللقاء بين العلمانيين والفقهاء، حيث ضم المؤتمر أكبر حشد من العمائم في المؤتمرات الفقهية، واخترت هناك أن أنقل المسألة من محض حوار بين الفقهاء إلى حوار بين الفقه وبين الاتجاه العلماني الحاضر في الساحة الإسلامية رفيداً ومشاركاً، في محاولة للكشف عن مظان اللقاء والفراق بين التيارين الأكبر في العالم الإسلامي.
وفي تحفظ ضروري فإن العلمانية التي اختارت الإلحاد عقيدة، هي تيار غير مقصود بهذه المقاربة أصلاً، وإنما نتحدث هنا عن العلمانية الذي تتبنى الصلح بين الإيمان في أصوله الكبرى وبين العقل، ولو كان ذلك على حساب كثير من الموروث الثقافي وإن اكتسب طابعاً ثيولوجياً، وهؤلاء من وجهة نظري يشكلون معظم العلمانيين في منطقتنا.

وهنا أختار التعبير عن المسألة بأنها نزاع فقهي علماني وليست نزاعاً إسلامياً علمانياً ، والهدف واضح هنا وهو نقل الحوار برمته إلى الدائرة الداخلية، تأكيداً على حق الفريقين في الانتماء إلى الشريعة الخاتمة المظللة بقول الله تعالى: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً.
وقد طبعت ظاهرة النزاع بين الفقيه والعلماني بطابعها تلك العلاقات المتوترة أصلاً والتي كانت ترسم إلى حد قريب حدوداً دموية بين التيارات القائمة في الساحة العربية، وللأسف تم تربص الطرفين في مواقع متباعدة على أساس التناقض الكلي بين المناهج والغايات، الأمر الذي أسهم في تكريس صورة لا دينية تطبع الاتجاه العلماني، وصورة لا عقلانية تطبع الاتجاه الإسلامي، وبدا كما لو أننا على أعتاب ثورة ثقافية أشبه بالثورات الأوربية الإصلاحية على الكنيسة في الغرب.
هذه الدراسة محاولة للنفاذ إلى جذر المشكلة وقراءة المسالة وفق المقاربة التاريخية لأزمة الفكر الإسلامي، ورسم الموقع المختار للاتجاه العلماني في الوسط التراثي، وبيان أن التفكير العلماني ليس طارئاً في التاريخ الإسلامي، والتأكيد على أن إرهاصاته الأولى كانت على يد فقهاء كبار كانوا يدركون أكثر من سواهم مبدأ تغير الأحكام بتغير الأزمان.

إن قراءة سريعة للمشهد الثقافي في العالم الإسلامي اليوم تجعلك تشعر بالمرارة حيث يتنامى الخطاب الخوارجي (لا حكم إلا لله) على حساب تيار الفقهاء الذي يلتمس غايات الأحكام ومقاصدها بدل الوقوف على ظواهرها، ويقرر مبدأ حيث ما كانت المصلحة فثم شرع الله، ويتفهم قاعدة تغير الأحكام بتغير الأزمان، ويعتمد أدوات كثيرة للاجتهاد إلى جانب الكتاب والسنة.
إن الخلاف بين الفقهاء والظاهرية، أو بين العلمانية والأصولية وفق التعبير المعاصر، ليس حدثاً تاريخياً قاصراً على فترة محددة، بل إنه في الحقيقة أكبر أشكال الخلاف التي لا تزال تعصف بالأمة إلى اليوم، وتحول دون تحقيق وحدتها أو تعاونها على الأقل، أو حتى إحسان الظن بين أبنائها على أقل تقدير، ولا أشك أن من أهم أولويات الفكر الإسلامي المعاصر إنما هو في إعادة قراءة العلماني والفقيه على قاعدة الاحترام المتبادل والبحث عن المشترك في إطار الأخوة الإيمانية وقول الله تعالى: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً.

تحميل كتاب العلماني والفقيه PDF - د. محمد حبش

هذا الكتاب من تأليف د. محمد حبش و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها