تحميل كتاب صومعة بارما pdf الكاتب ستاندال

ثمة آثار أدبية تبعث سروراً ثابتاً: "صومعة بارما". توفر للقارئ جذل المطالعة الذي يحاكي تماما حبور الكتابة الذي عرفه ستاندال. إذا كانت الظروف المذهلة التي وضع فيها الكتاب، لم تعرف، فسيدرك القارئ الحماسة الخارقة التي أشرفت على إبداعه. ليس من رواية تسبب مطلعتها إنذهالاً أشد؛ وليس من نص أدبي يمكنه أن يرقى إلى هذا الحد من التناقض الأدبي: مغلق مفحم كامل، يكتفي بذاته، ويبدو طيلة وقت المطالعة يخلّص القارئ من وطأة الزمن والقدر. يشعر منذ البداية حتى النهاية بلذّة سرد المؤلف وحدها كما في كتب المغامرات الساحرة أو الروايات التشرديّة.
وستاندال الذي كان يكره أن يتّبع عند الكتابة تصميماً مسبقاً، استسلم بكليته إلى لذة ابتداع طريق رحلته أولاً بأول دون أن تقوده بديهته في طرقات مسدودة. والمطالع الذي يتتبعه، يبقى مفتوناً بهذه الحرية الخلاقة.
إن رواية "صومعة بارما" هي رواية التعددية. فيها عدة روايات تتعايش معاً وتتساعد للاغناء المتبادل. ربما هي نزعة من القرن التاسع عشر لإهمال البعد التاريخي والمعنى الثوري للرواية. مع أن ستاندال اهتم بوضع روايته في إطار محدًد شديد الدقة. ويمكن القول انه أكثر بكثير من إطار محدّد.
إن زمن "الصومعة " يمتد على سنوات طويلة. وبما أن ستاندال بدأ قصته سنة قبل ولادة بطله ويرافقه حتى الموت، الذي حصل قبل أوانه، فأبطال ستاندال يموتون شباباً: عدم صبرهم لا يسمح لهم بأن يشيخوا، ولكن ضمن هذه الفترة يتبدّل الإيقاع بقدر ما يتمكن البقاء في ذاكرة شخص أو في خلق عمل أدبي بالنسبة لأهمية الحدث التاريخية، وبشباب وقابلية البطل معاً، وبوجهة النظر المحددة إرادياً، ألزم الروائي نفسه بها، وتعرف فترة الطفولة هي أيضاً، بأنها امتدادٌ طويل، بفضل الفن الذي يوحي به المؤلف كالترديد على البحيرة الخ. ثم لا يتوقف الزّمن عن الإسراع، مما ينمي الشعور بمطابقة بين زمن الرواية وزمن البطل. السرعة هي في النهاية بقدر كبير بحيث أن ستندال يقفز عدة سنوات ولا يعطي عن النهاية سوى موجز.
والكاتب كما في "رئيسة دير كاسترو" يدع لقارئه الخيار بين مصيرين: "الأول، بحسب الحلم والثاني بحسب القوى الخارجية" ولكن ستندال شعر تماماً أنه يستطيع أن يختار النهاية المثالية "أدخل إلى هنا يا صديق قلبي". والخاتمة البارعة وخيبة الأمل كانتا ضروريتين لجمالية العمل الروائي. وهكذا، من ناحية أخرى، تتم نبوءة الأب بلانيس.
تتصل النهاية بالبداية، وتقفل الحلقة، بدون أن تتوقف الرواية، عن الانفتاح، إذ أن القارئ، مع هذا، حرّ في أن يتوقف عند اللحظة التي يدخل فيها فابريس باب بستان الليمون الصغير، في ظلام كامل، حيث يشعر بيد خلال الشبكة كما هو حر أن يختار الشبكة، الجاهزة للانفتاح، وأن يرفض الحاجز الذي هو نهاية الحياة. و"الصومعة" ليست لفابريس غاية، ولكنها توقف قصير وترقب قلق: يذهب للاعتزال فيها، بانتظار اللحظة الأبدية، والعتبة التي ستقول له عندها كليليا من جديد وإلى الأبد: "أدخل إلى هنا، يا صديق قلبي".

هذا الكتاب من تأليف ستاندال و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها