تحميل كتاب رمضان حبيبي pdf الكاتب نجيب الكيلاني

والعجيب أنها لم تصد أحمد أو ترفضه صراحة، كانت تقترب منه ثم تبتعد عنه، لعلها لم تأخذ الأمر كله مأخذ الجد، وماذا يضيرها أن تتلقى رغبات الخطاب، وهمسات الخاطبة، وأمنيات الأم؟ إنه نوع من التسلية البريئة، ثم إن رفضها القاطع ربما يكون فيه قسوة على ذلك الشاب الطيب البرىء الذى لا يعرف من دهاليز الحياة وأسرارها وألاعيبها إلا القليل جدا.. فى أحد الأيام رأته "جليلة" قادما، كان حليق الرأس على عادة العسكر، ومع ذلك فإن وسامته بدت جلية لا يمكن أن تخطئها عينها، شعرت بشئ من الحرج، ووجدت نفسها تقارن بينه وبين "فتحى" صديق شقيقها.. إن لفتحى سوالف طوويلة، وشعر مرجل، ويدخن نوعا من السجائر الفاخرة مستوردة من الخارج.. خال من العقد والقيود والمخاوف.. وضحكت، وطرحت رأسها إلى الخلف وهو جالس لا يتزحزح من المقعد الذى قدمته له فى غرفة الأخصائية الاجتماعية بالمدرسة الخاصة.. وقال أحمد فى بساطة غريبة: "جئت طالبا يدك.."، ابتسمت، وحمدت الله على خلو الحجرة من أى مخلوق سواهما. -"ألا تخاف من حضرة الناظر؟". -"أنا لا أخاف أحد إلا الله". -"كان أفضل لو كلفت أمك بهذه المهمة". سدد إليها نظرات فاحصة، بينما استطردت قائلة: "النسوة أكبر على مجابهة هذه المواقف". قال دون أن تطرف له عين: "والرجال أيضا..". -"كيف؟". -"إننى أعبر قناة السويس وأعود.. الجانب الآخر من القناة فيه الموت فى كل شبر.. ولكنى أعود". طوت أوراقها أمامها وقالت: "معارك الطائرات والمدافع أخف من معارك الحب". تلعثم قائلا: "كلمات يعوزها الدليل". اعتدلت فى جلستها وقالت: "لنطن صرحاء.. كيف تفكر فى الزواج وأنت لن تترك الجيش قبل سنوات؟ هناك من قضوا فيه أكثر من خمس أو ست سنوات..". طأطأ رأسه وقال: "الحب لا يعرف حدود الزمان والمكان". قالت وهى تقدم له طبقا به بعض قطع الحلوى الملفوفة: "هل جربته؟". -"نعم...". -"من أحببت قبلى؟". قالتها فى دهشة وترقب، فرد: "أحببت الله". انفرجت ضاحكة.. وعادت تقول: "هذا شئ آخر..". -"أبدا.. الحب الكبير بناء متكامل.. يشمل الكون كله". -"أنت تخلط بين الحب والعبادة..". همس: "الحب؟ ترى ما رأيك فيه؟". تنهدت قائلة: "الحب الذى أعرفه فيه شئ من المعصية". ارتجف جسده، شعر بغير قليل من الضيق، وتأرجحت عيناه فى محجريهما، فكرأن يغادر المكان غير آسف، لكن شيئا ما يشده إليها، إنه لا ينكر أنه يحبها، لماذا لا يفسح من صدره وعقله لحوارها؟ إن لها منطقا، كان الكفرة يضايقون الأنبياء، ويرمونهم بكل نقيصة، ويسفهون آراءهم، والأنبياء يصبرون ويغفرون ويدعون لهم بالهداية.. أنا لست نبيا، ولكنى أستطيع أن أصبر.. علمتنى التجربة الدينية والفلسفية أن أصبر..، والتفت إلى جليلة قائلا: "لماذا لا نبدأ معا بنظرة جديدة..". -"تريد أن تحيل الحب إلى تجربة علمية..". -"حياتنا كلها تجارب.. والتجارب المستعارة يا جليلة أضعف أثرا من التجارب النابعة من الجدان..". قالت فى شئ من الملل: "نستطيع أن نؤجل الكلام فى هذا الموضوع". -"ولماذا نحرم أنفسنا من شئ طيب جميل ومفيد؟". -"وقد تختلف وجهات النظر..". 

هذا الكتاب من تأليف نجيب الكيلاني و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها