تحميل كتاب بحر ساركاسو الواسع pdf الكاتب جين ريس

هذه الرواية المدهشة والممتعة تروي قصة (انطوانيت كوسوي) التي ولدت لعائلة كرويولية شرّدت بعد عتق العبيد في جزر الكاريبي البريطانية في الثلاثينات والاربعينات من القرن التاسع عشر.

يضع الناقد سلوين كوجو استاذ الدراسات الافرو- أمريكية هذه الرواية في سياق أوسع ويكتب عنها : اقترح على كل من يروم الاطلاع على عيون الروايات الكاريبية قراءة بحر ساركاسو الواسع لجين ريز.

والرواية مقسمة الى ثلاثة أقسام : الأول ترويه البطلة نفسها والثاني يروي فيه السيد روتشستر الشاب قصة وصوله الى الهند الغربية وزواجه وعاقبته المشؤومة ثم تعود زوجته مرة أخرى لتروي لنا القسم الاخير لكن المكان الان هو انكلترا وهي تكتب من العلية في ثورنفيلد هول.

تحميل كتاب بحر ساركاسو الواسع PDF - جين ريس

يكتب روي بورتر في كتابه تاريخ موجز للجنون عن الجنون الذي ظنه الناس عند بداية البشرية: تلبسٌ شيطاني أو إلهام رباني. وتقول جين ريس في روايتها “بحر ساركاسو الواسع” : ” الشيطان أمير العالم. لكن هذا العالم لا يدوم طويلاً لإنسان فانٍ” ،  هذه الرواية يحركها هذا الجنون الشيطاني الذي يربو في ظل تنشئة وحشية لفتاة صغيرة تدعى انطوانيت. الأمر الذي يبدو مبرراً جداً عندما نعرف أن لديها استعداداً لتكون مجنونة، لأن أمها السيدة المارتتينيكية الفاتنة والتي ترقص دون الحاجة الى موسيقى وتصعد في رقصها كالومض سبقتها الى ذلك بعد أن فقدت طفلها الصغير في حريق تسبب به أهالي قرية كوليبري. الأمر الذي يدعونا للتساؤل مرة أخرى جديدة : ما هو الجنون؟ متى نستطيع أن نطلق على أحدهم بأنه مجنون؟ هذا الذي يكمله روي بورتر في كتابه وهو السؤال ذاته الذي سيدفعك لمواصلة قراءة هذه الرواية من جملتها الافتتاحية : ” يقولون عند المتاعب رصوا الصفوف، وهكذا فعل البيض. لكننا لم نكن  في صفوفهم، فالنساء الجامايكيات لم يعترفن بأمي أبداً، ((إنها تشبه نفسها فقط)) كما قالت كريستوفين.”

تقع أحداث رواية “بحر ساركاسو الواسع” عقب نهاية العبودية وبيع الرق في المدينة الاسبانية جمايكا عام ١٨٣٦.  عندها ينتهي الحال بعائلة انطوانيت الى الفقر الشديد بعد أن كان ابوها وجدها من أهم تجار العبيد القادمين من أفريقيا. تراقب انطوانيت أمها وهي تذوي كل يوم ، فهما وعلى الرغم من أنهما تعيشان في أحلى مناطق العالم، إلا أنهما لا تستمتعان بذلك على الاطلاق، أنطوانيت ترتدي ثياباً رثة، تمتلك ثوبين فقط، وتكره تقطيبة جبين أمها خصوصاً تلك التي تراها على وجهها كلما حاولت هذه الأخيرة النظر الى البحر بجانب الخيزران، حيث يزعجها السود في تلك الأثناء، لقد وصل الأمر بهم الى قتل حصانها، فلم تعد تتجول، وفنت شبابها وجمالها الآسر في محاولة البقاء على قيد الحياة. انعزلت انطوانيت في هذه الفترة وتجنبت الجميع وكان كل ما يهمها أن تبقى آمنة، وأن تؤكد لنفسها أن حشائش الموس التي تجرح ساقها ارحم من الناس. كانت تخبئ بجانبها على الدوام عصا  ذات مواصفات خاصة، حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها اذ اقتضى الأمر. تحب انطوانيت الأثاث الاليف وكوليبري الفاتنة وتحب أن تكون آمنة من الغرباء، وهي تغني بإستمرار عن كل شيء كما هي عادة الناس في جمايكا، وتغني عن الوداع بكلمات قد تبدو مرحة لكنها حزينة على نحو كئيب ، ومن اغانيها الآسرة : ازهار شجرة الأرز التي لا تعمر أكثر من يوم واحد.

 تتزوج الأم بعدها من سيد ثري يدعى ميسون، الا انها تلح عليه بالذهاب الى مكان آخر دون هذه القرية، فالناس وبعد ان عرفوا بأمر المال الذي يملكونه اصبحوا يكنون لها المكائد او هكذا كانت تحس. الحقد مرافق لامتلاكهم المال، في السابق لم يكن لوجودها معنى قد يشكل شروراً الى هذا الحد بالنسبة للسود في كوليبري، لكنها اليوم كذلك. يصر السيد ميسون بدوره على ان سكان القرية ابسط من أن يفكروا بتدبير أي مشكلات حقيقية قد تهدد وجودهم هناك. لكن السيد ميسون كان مخطئاً بطبيعة الحال كما سيتضح من خلال القسم الأول في الرواية.

 جين ريس تكتب الحياة على نحو ساحر، تتشابك فيها العديد من الثيمات، إلا أن هذا التشابك غير متكلف على الإطلاق، بل إنه ببساطة جزء من عنف القصة وطابعها الأسطوري بالغ التأثير. فهنالك العلاقة بالمكان والابتعاد الى ما وراء الحدود والتوق الى ما هو بعيد كما هو الحال عند التوق لإنجلترا. وصف المدن بالأحلام. كيف تكون المدينة حلماً؟

 الصراع العرقي والعدالة، التربية العنيفة لطفلة كبرت في أوقات بائسة، وجنون الأم من ثم جنون أنطوانيت والحنين الدائم الى الطبيعة، والعلاقة بها ، وتدخلها في كل شيء بداية برائحة الأزهار التي تزعج السيد زوج انطوانيت و نهاية بالغابات الكثيفة التي ستحاصر المصحة النفسية التي ستقضي فيها انطوانيت وقتاً طويلاً، لكنها بلا شك وبالنسبة لي على أقل تقدير رواية عن الحب. اختيار الحبيب والرغبة الشديدة به، من ثم محاكمة هذا الحب على نحو قاسٍ كما حصل عند الزوج الذي بدأ يحس بأنه لا يحب انطوانيت على نحو تلقائي كما يكون الحب عادة بل انه مدفوع لهذا الحب بإرادة شخصية، أي أنه يبذل جهداً لكي يكون مستعداً لكل ما سيفعله من أجل هذه العلاقة. وها هي ذي تسأله بعد ان انهارت وشربت كثيراً من الخمر: هل تحبني؟ فيجيب: لا. ليس في هذه اللحظة.

كريستوفين الشخصية الآسرة الأخرى في هذه القصة، السيدة السوداء التي ساعدت هذه العائلة في كثير من الاوقات، والتي تحمل سراً كبيراً اذا يترافق ذكرها مع ذكر السحر والاوبيا (الزومبي) والقدرات الهائلة لهذه العجوز على صنع ماهو خارق حتى انها سجنت ذات مرة لذلك. إن هذا السحر وهذه الخرافات سرعان ما تصبح جزءاً اصيلاً من نسيج القصة التي تدور في هذه الضيعة.

 كانت انطواينت وعلى الرغم من عزلتها وكراهيتها للناس الذين آذوا أمها منذ الصغر، تندفع باتجاههم بنفس القوة التي تبتعد بها عنهم. فهي عندما لا تبالي بضيوف أمها في البيت، تثق بتيا الفتاة التي سبحت معها ذات يوم في النهر، تنظر اليها قبل أن تغادر القرية بعد الحريق الذي تسبب في مقتل اخيها بنظرة ملؤها التفاؤل بأن هذه العلاقة هي المستقبل كله، وبأنها ستعيدها الى بيتها الآن آمنة كالعادة، الا ان تيا توجه حجراً صوب رأس انطوانيت، هذا الذي سينزف دماً في مقابل الدموع التي تبكيها تيا ، حتى ان انطوانيت ظنت في هذه اللحظة بأنها ترى نفسها في المرآة بلا شك. هكذا يحدث الآن مع زوجها، علي الرغم من خيانتها مع خادمتها الا أنها تعود اليه راغبة فيه وتفقد السيطرة على نفسها. انها هشة وعنيفة في آن واحد.  في بداية علاقتهما وفي يوم زواجهما تحديداً قررت أن تنسحب، خافت منه، لكنه طمأنها ووعدها أن يحميها وان يسعدها. وها هو ذا يسلب منها آخر شيء تحبه، حبها لهذا المكان ،الذي ظنت انه ملاذها الأخير من كل شيء آخر. لقد فقدته كما فقدت الاب والام والاخ وخالتها وكوليبري .

إن هذه العوالم المختلفة والمتداخلة جميعها تقدم في عمل اشبه بالملحمة، عمل روائي من الطراز الرفيع اشبه بتحفة فنية مليئة بالألوان الا أنها عن شيء اسود بالغ السواد، مليئة بالرقة الا انها قاسية على نحو مطلق. انها صامتة وصاخبة جداً في اعماقها “أستطيع أن اسمع الخيزران يرتعش ويصر رغم سكون الريح.”  هنالك في هذه الرواية أذنٌ تسمع الوعيد الأخضر للطبيعة وتهابه، وعين تراقب شجرة ياسمين حمراء يتهيب كبير، وجسد سيرتدي فستاناً أحمر سيسقط مدوياً كرمز على الموت في حلم فتاة يدّعون أنها مجنونة. هذه المجنونة التي ستنتظر زوجها لكي يكون لها مصير آخر غير تركة أمها من الجنون لكنها ستحترق قبل أن يصل.

هذا الكتاب من تأليف جين ريس و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها