تحميل كتاب التذكرة والبيان لأعمال يحبها الرحمن pdf الكاتب صلاح عامر

فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة والعقول الزاكية أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا أسرُّ، ولا أنعم، من محبَّته والأنس به ، والشوق إلى لقائه.

والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك ، فوق كل حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك أتَّم من كل نعيم، واللذة التي تَناله ، أعلى من كل لذة، كما أخبر بعض الواجدين عن حاله بقوله: إنه ليَمُرّ بي أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب.

وقال آخر: إنه ليمرُّ بالقلب أوقات، يَهتزّ فيها طربًا بأنسه بالله وحبِّه له .

وقال آخر: مساكين أهل الغفلة! خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيبَ ما فيها .

وقال آخر: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف .

ووَجْدُ هذه الأمور وذوقها هو بحسب قوة المحبة وضعفها، وبحسب إدراك جمال المحبوب والقرب منه، وكلما كانت المحبَّةُ أكملَ، وإدراكُ المحبوب أتمَّ، والقربُ منه أوفرَ، كانت الحلاوةُ واللذة والسرور والنعيم أقوى.

فمن كان بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أعرف، وفيه أرغب، وله أحبُّ، وإليه أقرب = وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ولا يُعْرَفُ إلا بالذوق والوجد. ومتى ذاق القلبُ ذلك لم يُمكِنْه أن يقدّم عليه حبًّا لغيره، ولا أُنسًا به، وكلما ازداد له حبًّا ازداد له عبوديةً وذلاًّ، وخضوعًا ورِقًّا له، وحريَّةً عن رقِّ غيره.

فالقلب لا يفلح، ولا يصلح، ولا يتنعَّم، ولا يبتهج، ولا يلتذُّ، ولا يطمئنُّ، ولا يسكن إلا بعبادة ربه، وحبه، والإنابة إليه. ولو حصل له جميع ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن إليها، ولم يسكن إليها، بل لا تزيده إلا فاقة وقلقًا، حتى يظفر بما خُلق له، وهُيّئ له، من كون الله وحده نهاية مراده وغاية مطالبه، فإن فيه فقرًا ذاتيًّا إلى ربه وإلهه، من حيث هو معبوده ومحبوبه وإلهه ومطلوبه، كما أن فيه فقرًا ذاتيًّا إليه، من حيث هو ربُّه وخالقه ورازقه ومدبِّره، وكلما تمكنت محبة الله من القلب وقويت فيه خرج منه تألهه لما سواه، وعبودبته له:

فَأَصْبَحَ حُرًّا عِزَّةً وَصِيَانَةً          ...         عَلىَ وَجْهِهِ أَنْوَارُهُ وَضِيَاؤُهُ .

وما من مؤمن إلا وفى قلبه محبة لله تعالى، وطمأنينة بذكره، وتنعُّم بمعرفته، ولذة وسرور بذكره، وشوق إلى لقائه، وأُنْسٌ بقربه، وإن لم يحُسّ به لاشتغال قلبه بغيره، وانصرافه إلى ما هو مشغول به، فوجودُ الشيء غيرُ الإحساس والشعور به.

وقوة ذلك وضعفه وزيادته ونقصانه، هو بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه.

ومتى لم يكن الله وحده غايةَ مراد العبد، ونهاية مقصوده، وهو المحبوب المراد له بالذات والقصد الأول، وكل ما سواه فإنما يحبه ويريده ويطلبه تبعًا لأجله لم يكن قد حقق شهادة أن لا إله إلا الله، وكان فيه من النقص والعيب والشرك، وله من موجَبات ذلك من الألم والحسرة والعذاب، بحسب ما فاته من ذلك.

تحميل كتاب التذكرة والبيان لأعمال يحبها الرحمن PDF - صلاح عامر

هذا الكتاب من تأليف صلاح عامر و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها