ولد الشاعر المصري عبد الرحمن الخميسي في الثالث عشر من نوفمبر عام 1920 بمدينة بورسعيد ، ثم انتقل وهو صبي إلي المنصورة حيث والده ، وهناك قضى طفولته وصباه .
بدأ كتابة الشعر مبكرا وهو تلميذ في السادسة عشرة وأخذ ينشر قصائده في مجلتي " الرسالة " و" الثقافة " المرموقتين حينذاك . وجاب الخميسي قرى مصر مع مسرح شعبي ، كان يشارك في وضع نصوصه وأغانيه.
عام 1936 عشية الحرب العالمية الثانية نزح الخميسي إلي القاهرة دون أن يكمل تعليمه ، وفي القاهرة نشأت علاقته بشاعر القطرين الكبير خليل مطران ، وظل الخميسي يردد أن مطران كان أول من علمه الشعر . في القاهرة عاش الخميسي في ظروف شاقة انخرط خلالها في حياة الفئات الشعبية الفقيرة ، واشتغل مدرسا ، وعاملا في محل بقالة ، ومحصل بطاقات في الترام ، ومصححا في مطبعة ، بينما كان يشق طريقه نحو الصحافة ويكتب الأغاني والتمثيليات للإذاعة .
وبدأت الحركة الأدبية تعرفه شاعرا رومانسيا في إطار مدرسة " أبوللو " التي كان من روادها الشاعر إبراهيم ناجي وعلى زكي أبو شادي ومحمود حسن إسماعيل وعلى محمود طه وغيرهم من رواد المدرسة الرومانسية في الشعر العربي . ترك الخميسي سبعة دواوين شعرية هي : أشواق إنسان عام 1958، و" دموع ونيران " عام 1962 ، و " ديوان الخميسي " عام 1967 ، ثم " ديوان الحب " 1969 ، و " إني أرفض " عام 1973 ، ثم " تاج الملكة تيتي شيرى " عام 1979 ، وأخيرا " مصر الحب والثورة " 1980 . واستطاع الخميسي أن ينتقل في الكثير من شعره من الوجدان الخاص إلي الوجدان العام ، ومن الشعر الغنائي حيث يتحدث عن تجارب إنسانية فردية إلي التجارب الإنسانية العامة كالشوق إلي الحرية والكفاح في سبيلها وغير ذلك .
قال عنه الناقد د . لويس عوض : " إن قصيدة " في الليل " وهي من محصول سنة 1938 أيام كان عبد الرحمن الخميسي فتى في الثامنة عشرة من عمره .. أعدها من أروع ما نظم الشعراء في العربية في نجوى الليل " . وقال عنه الناقد د . محمد مندور : " إنه شاعر غنائي في كفاحه وموضوعيته ، ولا يمكن أن يختفي مزاجه الغنائي الحار وحماسه المتقد ، ولون روحه المتميز في أية قصيدة من قصائده . فالخميسي شاعر وجداني في كل شعره ، سواء أكان الوجدان ذاتيا أم جماعيا أم قوميا . ومع ذلك فإنني أعترف بإخلاص أن الخميسي قد بلغ بشعره حد السحر كلما تحدث عن ذاته وأشواقه . ألا حيا الله تلك العبقرية الصادقة التي وهبها الله للشاعر فتعزى بها واعتز عن كافة محن الحياة " .
وكان الخميسي ظاهرة فنية وثقافية فريدة بتعدد مواهبه : فهو شاعر ، وقصاص ، وصحفي ، وممثل ، ومكتشف نجوم فهو أول من قدم يوسف إدريس للقارئ العربي ، والنجمة سعاد حسني للشاشة ، وكان موسيقيا ، وترك ثلاث أوبرات موسيقية ، وأربعة أفلام من تأليفه وإخراجه ، وعدة كتب في النقد الأدبي ، وترجم قصائد كبار الشعراء مثل كيتس ، ووردزورث ، ومختارات من القصص العالمية ، وأنشأ فرقة مسرحية خاصة به كتب ومثل وأخرج نصوصها . ترجمت أعماله إلي العديد من اللغات العالمية كالفرنسية والأسبانية والروسية . وتحمل عبء انتمائه إلي صفوف معارضة اتفاقية كامبد ديفيد ، فتغرب في عواصم عربية وعالمية إلي أن وافته المنية في الأول من أبريل 1987 ودفن في بلده المنصورة . جعلته ظروف حياته الشاقة يقول ذات يوم عبارته التي صارت شعارا لجيل كامل : " لم أعزف ألحاني لكني دافعت عن قيثارتي " ! عند وفاته كتب يوسف إدريس يصفه قائلا : " كان الخميسي قويا عملاقا مقاتلا إلى ألف عام ، وكان فمه مفتوحا على آخره ، مستعدا لابتلاع الحياة كلها بكل ما فيها من طعام وشراب وجمال .. ابتلعته الغربة وإلي أربعة أركان الكرة الأرضية مضي يتسلمه ركن ليرفضه ركن ، وهو قوي مقاتل وطني عنيد ، هذا الشاعر .. المخترع .. الموسيقي .. الذي قهر من قهرنا جميعا ، ومن بطط بحذائه الغليظ ثقافتنا وإنسانيتنا .. ".