محمد بن سحنون بن سعيد بن حبيب التنّوخي الذي تتّفق كتب التّراجم على أنّ أباه هو الإمام عبد السّلام سحنون (160 - 240هـ/776 - 854م). ولد بالقيروان سنة 202هـ/817م، ونشأ بين يدي أبيه سحنون، وعليه أخذ العلم. نقل لنا، عن أبي العرب، المؤرّخ القيرواني عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه المالكي الرّواية التّالية: قال: "كان (أي محمّد بن سحنون) إماما ثقة عالما بالمذهب (مذهب أهل المدينة) عالما بالآثار، لم يكن في عصره أحد أجمع لفنون العلم منه، فيما علمت، ألّف في جميع العلوم وفي المغازي والتّاريخ. وكان والده قد تفرّس فيه الإمامة، إذ يقول: "ما أشبّهه إلاّ بأشهب"، وكان والده يقول لمعلّمه: "لا تؤدّبه إلاّ بالمدح ولطيف الكلام، ليس هو ممّن يؤدّب بالضّرب والتّعنيف، فإنّي أرجو أن يكون نسيج وحده، وفريد أهل زمانه، وأتركه على نحلتي، وأخاف أن يكون عمره قصيرا". فكان كما قال أبو سحنون! فكلّ من ترجم له، لا يختلف في تربيته، ولا في تعليمه في كنف والده الذي بوّأه مكانة خاصة لأنّه توسّم فيه، منذ الصغر، استعدادا واضحا، وذكاء مبكّرا. وبعد أن حفظ القرآن والعلوم الضروريّة، انتقل، بعد ذلك، إلى الدّراسة العالية فسمع من أبيه وتفقّه على يديه، وكان يناظره في شتّى المسائل العلميّة. قال القاضي أبو الفضل عياض راويا عن يحيى بن عمر: "كان ابن سحنون من أكثر النّاس حجّة وأثبتهم لها. وكان يناظر أباه. وكان يسمع بعض كتب أبيه في حياته، يأخذها النّاس عنه قبل خروج أبيه، فإذا خرج أبوه قعد مع النّاس يسمع معهم من أبيه".