مؤرخ مسلم، شيخ المؤرخين المصريين " أحمد بن علي المقريزي " المعروف باسم " تقي الدين المقريزي " ولد وتوفي في القاهرة(764 هـ ـ 845 هـ) (1364م - 1442م) ممن اهتموا بالتأريخ بكل نواحيه.
المؤرخ تقي الدين أحمد أبو محمد وأبو العباس بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي الشافعي الأثري، من أعلام التاريخ، سار شوطاً بعيداً في حدود الفكر والعقل. وبحث في أصوول البشر وأصول الديانات، وكانت له دراية بمذاهب أهل الكتاب، كان حسن الخلق، كريم العهد، كثير التواضع، عالي الهمة فيمن يقصده لنيل العلم والدراسة، محباً للذاكرة والمداومة على التهجد والأوراد وحسن الصلاة ومزيد الطمأنينة، ملازماً لبيته (ويتهمه السخاوي بعدم الإتقان فيما يرويه من الحوادث عن المتقدمين ولكن المؤرخين لم يعولوا على ما ذكره السخاوي فيه لأن آثار المقريزي شاهدة له بالعلم والفضل – وابن حجر وهو شيخ السخاوي يقول فيه "في المقريزي" له النظم الفائق والنثر الرائق)،ثم يقول عنه أحد المؤرخين : (إن المقريزي كان متبحراً في التاريخ على اختلاف أنواعه، ومؤلفاته تشهد له بذلك وإن جحده السخاوي بذلك، فذلك رأيه في غالب أعيان معاصريه).
عُرف بالمقريزي نسبة لحارة في بعلبك تعرف بحارة المقارزة فيقال أن أجداده من بعلبك وأن والده ذهب إلى القاهرة حيث ولى بها بعض الوظائف، ولد المقريزي حسبما يذكر هو عن نفسه بعد سنة 760 هـ وابن حجر يقول إن مولده كان في سنة 766 هـ كما رآه بخط المقريزي نفسه، أما الإمام السيوطي فيقول إن مولده كان في عام 769 هـ، أما وفاته فهي محل اتفاق، حيث توفي في مصر عصر يوم الخميس 16 رمضان سنة 845 هـ بالقاهرة ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة بحوش الصوصية البيبرسية. (كان المقريزي محل احترام رجال الدولة في عصره وكانوا يعرضون عليه أسمى المناصب فكان يجيب مرة ويرفض أخرى، وحبب إليه العلم في آخر أمره فأعرض عن كل مظاهر الحياة وأبهتها وفرّغ نفسه للعلم وكان ميله إلى التاريخ أكثر من غيره حتى اشتهر ذكره به وبعد صيته فألف كثيراً وأجاد في مؤلفاته التي أربت على مأتي مجلد كبار، كما يقول هو عن نفسه وقلما أجاد مكثر. كان سلفيّ العقيدة، أثريّاً على الجادة، محباً للسلف رحمهم الله، يثني على مذهبهم وعقيدتهم ويدافع عنه في وقت انتشار عقائد مخالفة.
شغل المقريزي العديد من وظائف الدولة في عصره، حيث ولي فيها الحسبة والخطابة والإمامة عدة مرات، ثم عمل مع الملك الظاهر برقوق ودخل دمشق مع ولده الناصر سنة 810 هـ، وعُرض على المقريزي قضاؤها فأبى، ثم عاد فيما بعد إلى مصر.
احتل المقريزي مركزاً عالياً بين المؤرخين المصريين في النصف الأول من القرن التاسع الهجري، حيث أن معظم المؤرخين الكبار كانوا تلاميذ المقريزي، مثل أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي مؤلف الكتاب التاريخي النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، والسخاوي و، (أما أحمد بن علي المقريزي، فلا خلاف في تبوئه صدارة المؤرخين المصريين، في النصف الأول من القرن التاسع الهجري ويكفي دليلاً على هذا أن فطاحل ذلك الجيل من المؤرخين في مصر كانوا تلاميذ المقريزي.
واستحق كتاب المقريزي (السلوك لمعرفة دول الملوك) المكانة الأولى بين كتب التاريخ في عصره، ومن مؤلفاته أيضاً كتاب (عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط)، الذي حاول فيه المقريزي أن يكتب عن تاريخ مصر خلال الفترة التي امتدت منذ الفتح العربي إلى مرحلة ما قبل تأسيس الدولة الفاطمية، وكتاب (اتعاظ الحنفا بأخبار الخلفا) حول تاريخ مصر في زمن الدولة الفاطمية، وكتاب (إغاثة الأمة بكشف الغمة) الذي يتحدث فيه عن تاريخ المجاعات في مصر وأسبابها.
لقد عاش المقريزي جانباً من حياته معاصراً لدولة المماليك البحرية كما عاش شطرها الآخر في عهد المماليك البرجية، وهما دولتان تكادان تكونان أغرب دولتين تحكمتا في تاريخ مصر ردحاً من الزمن غير قصير ولم يكن المماليك سوى أرقاء يُشترون ويُباعون بين السلع ولما ضعفت سلطة الخلفاء العباسيين، وانصرفوا عن الاهتمام بشأن الشعب، لجؤوا إلى الإكثار في ابتياع المماليك، وسلموهم زمام السيف، ليكونوا حماتهم، وعدتهم، وكذلك فعل حكام مصر من الطولونيين والأخشيديين والفاطميين. ثم لم يلبث ضعف الخلفاء والسلاطين المتمادي، وابتعادهم المستمر عن الشعب، أن أفسح المجال رحباً أمام تطلع المماليك أنفسهم إلى السلطة واستطاع هؤلاء التربع على كرسي الحكم، والإطاحة بالأيويبين التي كانت دولتهم قد ضعفت، وأهل البلاد، وأمسكوا بزمام الأمور وأسسوا دولة المماليك التي دافعت عن المسلمين وتصدت للصليبيين والمغول.
يتميز الفكر الاقتصادي عند المقريزي بالروح العلمية، ويعتمد على الأسس المادية في مناقشته وطرحه للقضايا، فهو يأخذ بمبدأ السببية، ويتنكر لمبدأ القدرية. (فالأمور كلها، قلها وجلها، إذا عُرفت أسبابها، سهل على الخبير إصلاحها. (فالمجاعات وأمثالها، ليست شيئاً مفروضاً على الإنسان من عل، ينزل بأمر، ويرتفع بأمر، كما أنها ليست ناجمة عن جهل الطبيعة وعماها، دون أن يكون للإنسان بها دور بل هي ظاهرات مادية اجتماعية، لم تلازم البشر دائماً، ولكنها تقع آناً، وتنقطع آناً آخر، تقع عندما تجتمع أسبابها ودواعيها، وتنقطع عندما تنتهي تلك المسببات والدواعي، أن كل شيء خاضع للتطور، يولد وينمو ويموت.