تقي الدين أبي العباس أحمد الحراني/ابن تيمية.
هو الإمام المجتهد شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمـد ابن عبد الحليـــم بن عبد الســلام بن عبــد الله بن الخضـــر بن محمـــد ابن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني.
ولد بحَرَّان يوم الاثنين عاشر ربيع الأول، سنة إحدى وستين وستمائة، ونشأ في بيئة علمية، فكان جده أبو البركات عبد السلام ابن عبد الله، صاحب كتاب : (المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه و سلم)، من أئمة علماء المذهب الحنبلي، ووالده من علماء المذهب، اشتغل بالتدريس والفتوى، وولي مشيخة دار الحديث السكرية حتى وفاته.
انتقل مع أسرته إلى دمشق على إثر تخريب التتار لبلده حران، وهو ابن سبع سنين، وبدت عليه مخايل النجابة والذكاء والفطنة منذ صغره، فحفظ القرآن في سن مبكرة، ولم يتم العشرين إلا وبلغ من العلم مبلغه، ذكر ابن عبد الهادي في ترجمته : أن (شيوخه الذين سمع منهم أكثر من مائتي شيخ، سمع مسند الإمام أحمد بن حنبل مرات، وسمع الكتب الستة الكبار والأجزاء، ومن مسموعاته معجم الطبراني الكبير، وعُني بالحديث، وقرأ ونسخ وتعلم الخط والحساب في المكتب، وحفظ القرآن، وأقبل على الفقه، وقرأ العربية على ابن عبد القوي، ثم فهمها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه، حتى فهم في النحو، وأقبل على التفسير إقبالاً كليًا، حتى حاز فيه قَصَب السَّبق، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك، هذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة، فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه) .
أفتى وله تسع عشرة سنة، وشرع في التأليف وهو ابن هذا السن، وتولى التدريس بعد وفاة والده، سنة 682هـ بدار الحديث السكرية، وله إحدى وعشرون سنة، حتى اشتهر أمره بين الناس، وبعد صيته في الآفاق، نظرًا لغزارة علمه وسعة معرفته، فقد خصه الله باستعداد ذاتي أهّله لذلك، منه قوة الحافظة، وإبطاء النسيان، فلم يكن يقف على شيء أو يستمع لشيء إلا ويبقى غالبًا على خاطره، إما بلفظه أو معناه. ففي محنته الأولى بمصر، صنف عدة كتب وهو بالسجن، استدل فيها بما احتاج إليه من الأحاديث والآثار، وذكر فيها أقوال المحدثين والفقهاء، وعزاها إلى قائليها بأسمائهم، كل ذلك بديهة اعتمادًا على حفظه، فلما روجعت لم يعثر فيها على خطأ ولا خلل.
قضى حياته في التدريس والفتوى والتأليف والجهاد، فكانت تفد إليه الوفود لسماع دروسه، وتَرِدُه الرسائل للاستفتاء في مسائل العقيدة والشريعة، فيجيب عليها كتابة.. ترك ثروة علمية تدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه، وتكامل إدراكه لأطراف ما يبحثه واستوائه لديه، ومن ذلك مسائل علم الكلام ومباحث الفلسفة، فهو يناقش المتكلمين والفلاسفة بأدلتهم، وينقد مناهجهم، ويبطل حججهم بثقة وعلم، ذكر ابن عبد الهادي أن مصنفاته وفتاواه ورسائله لا يمكن ضبط عددها، وأنه لا يَعلم أحدًا من متقدمي الأمة جمع مثل ما جمعه، وصنف نحو ما صنفه.
شارك في معركة شقحب، التي وقعت بين أهل الشام والبُغاة من التتار، بقرب دمشق في شهر رمضان سنة 702هـ، وانتهت بانتصار أهل الشام ودحر التتار، الذين أرادوا بسط نفوذهم في الشام، وتوسيع سلطتهم على أطرافها، وقد ضرب ابن تيمية في هذه المعركة أروع مثال للفارس الشجاع.