تحميل كتاب قواعد الفرح: فن التفكير الجيّد، نظرية الإدِّخار، نظرية الارادة الفاعلة، من خلال الحديث النبوي pdf الكاتب وحيد خليل

هناك من يبحث عن السعادة، بطرق شتّى فلا يجدها، ويبذل في سبيلها النفس والنفيس. و لكن بغير جدوى، وهكذا يستمر الواحد فينا، طوال العمر باحثا عن هذا الشبح، الذي يسمى سعادة. أو فرحا، ولكن في النهاية لا يعثر عليه. فهل السعادة شبح أو جسم ضبابي لكي لا يُمسك، أم تراها شعور نفسي كثير التقلب والتغيّر ، فما هذه السعادة التي يلهث وراءها الجميع فلا يجدونها، ومن اجلها قطع الناس، البحور، والمحيطات. ومنهم من ركبوا قوارب الموت إلى دول غنية ولكنهم ماتوا في عرض البحر، وإن سألت هؤلاء الذين نجوا أو الذين قطعوا البحور بجوازات رسمية. لقالوا: أردنا البحث عن الفرح و السعادة. ومنهم من بذل من أجل أنْ يبقى في منصبه السياسي، الوقت والمال. وتنازل من أجل ذلك ، عن جميع أخلاقه، وهو في قرارة نفسه يبحث عن التقدير والقوة. هذا السياسي  في النهاية يريد أن يشعر بالفرح والسعادة.

لا أحد ينكر أنّ الماديات تحقق الرفاهية من خلال تمكين الجسد من تلبية جميع مطالبه وهذا ما يؤثر في النفس فتكون بذلك هادئة وغير مشغولة في  تفكيرها في الحاجيات، فإنّ الذي لا يملك مسكن لا يمكن أنْ يكون مطمئنا، وهذا الذي لا يملك قوتا لعياله لا يمكن أنْ يكون مطمئنا ايضا. ولكن ليست هذه الاشياء هي التي تحقق السعادة والفرح. فكم واحد منّا يمتلك كل شيء في حياته، ولكن لا يبدو سعيدا، ولا يشعر في نفسه بالسعادة التي  كان يتوق اليها قبل أنْ يكتسب هذه الاشياء المادية.

و أنا اقولها صراحة : أجمل اللحظات فرحا في حياتي لمّا كانت حياتي خالية من كل الماديات، وبعبارة أخرى عندما كنت فقيرا.

وهذا الأمر ليس خاصا بي فقط، بل بك أيها القارئ الكريم، فإنّ أجمل اللحظات التي امضيتها في حياتك، تلك التي كانت خالية من المشاغل المادّية وتلك التي لم تكن تملك فيها درهما ولا دينارا ولا دولارا.

واللحظة  السعيدة التي مضت، لا يمكن استعادتها في اللحظة الراهنة والحاضرة، لانّ تلك اللحظة لها شروطها الخاصة بها، فالمتعة التي كنت تجدها أنت وصديقك في حديثكما في الماضي، لا يمكن أنْ تتحقق في الحاضر إلا نادرا، والجولات السياحية التي كنت تقوم بها بمفردك أو مع اصدقائك قد فقدت من جاذبيتها في الحاضر.

اللحظة السعيدة هي لحظة نادرة من عمر الانسان، وكل لحظة لا تشبه الاخرى، لهذا من الصعب استعادتها ولو حققنا جميع شروطها.

وهل يمكن استعادة مشاعر حب، جرت بينك وبين زوجتك لأول مرّة، هل يمكن استعادة نجاحك في الوظيفة في أوّل مرة  أو في كسبك لمبلغ مالي لأوّل مرّة. هل تستطيع أن تعيش مرّة أخرة أحاسيس جولة قمت بها مع صديقك لمدينة أو لحقول في الريف. وهل يمكن استعادة كلمة احبك سمعتها من خطيبتك لأول مرة...وهكذافإن الفرح هو شعور داخلي يقوم في داخل الروح أوّلا، وفي الذّهن، وأنّ أساسه نفسي بحت.

وأنه لو امتلكت كل ما في العالم، من ذهب وفضة ومليارات. ونفسك، لم تكن مهيّأة للفرح وللسعادة، فإنّ هذه الاشياء المادية. لن تشعرك بالسعادة أصلا، لأن العائق يكمن في داخلك أصلا. كما أنه. لو كانت تنقصك الكثير من الأشياء والحاجيات وكنت تمتلك فن الرؤية إلى الاشياء وتعرف فن تقييمك لها، لحصلت على سعادة لا يشعر بها الملوك في قصورهم.

يتعلّق الأمر : بكيفية تقييمنا للأشياء ولكيفية نظرنا إليها ، وللأسف الشديد أصبح البعض منّا ، ينتظر تقديرا من الناس عندما يشتري سيارة مرسيدس أو عندما ييُعّين في منصب سامي. وكأنّه بهذا يعلن صراحة، أنه ليس له قيمة دون هذه السيارة ودون هذا المنصب، ولا شك أنّ هذا الشخص سوف يشعر بكآبة حادّة  عندما يخسر وظيفته و سيارته لأنه  ربط سعادته بتقدير الناس وهو مع السيارة أو في هذا  المنصب دون ذاك ، وليس بتقديرهم لذاته ولشخصه. فالسعادة عندما تُربط بالأشياء المادية تبقى رهينة لهذه الاشياء. والحق يقال أنّه ليست الاشياء هي التي تجعلك سعيدا و ومقّدّرا بين الناس، بل ذاتك وتفكيرك هو الذي يجعلك سعيدا و يمنحُك تقديرا عندهم. والناس صنفان: الصنف الاول هو الذي ينتظر سعادته من تقدير الناس لما يمتلكه من اشياء وما يشغله  من مناصب و وظائف أما الصنف الثاني فهو الذي يأخذ سعادته من  خلال تقديره لنفسه لأنه يعرف كيف يفكر و يقيِّم الاشياء . فلا يحزن لحاجته لأشياء يعتقدها البعض ثمينة وغالية

السعادة  تحتاج قبل كل شيء الى شروط ذهنية ونفسية حتى نستطيع أنْ نعيش في الحياة بسعادة، وحتى نستطيع أنْ نتنعم بما نمتلكه من أشياء مختلفة. فإذا كنت تمتلك كل اشياء العالم وأنت لا تمتلك ذهن له قابلية للسعادة وللفرح. فلن، تكون سعيدا مهما قُدِّم لك من أشياء أُخرى.

والفرح في الداخل، كحال غنى النفس في الداخل، فالحريص لو ملأت جيوبه بكل أموال العالم فلن يعالج من مرض الجشع، كذلك الفرح يكون داخلي قبل كل شيء، فالذي لا يكون مستعدا في داخله للفرح لن يكفيه العالم وما يقدِّمه له من اشياء

ولكن ما علاقة الفرح  بالإرادة الفاعلة ، لا شك أنّ الفرح هو الذي يدفع الانسان للفاعلية في هذا العالم، فالحزن مرتبط دائما بالانكماش على الذات وبالتقوقع عليها، أما الفرح فهو يدفع الارادة للنشاط وللدافعية وللإنتشار.

الفرح يجعلك تفتح العالم أما الحزن سيجعلك متقوقعا على ذاتك في داخلك، فكلّما كنت فرحا تتعامل في العالم بنشاط وبمرح وبتفاؤل وستُغني مما حولك نشاطا وحيوية أما الحزين فهو عالة على نفسه و على محيطة وكلامه مثبّط للجميع.

والجسم الانساني يخضع لمشاعر الفرح فيفرز هرمونات السعادة التي تدفعه للحركة والنشاط  بينما الحزن يجعل الجسم خاملا وكسولا ومتثاقلا. والمؤمن في هذه الحياة عليه أنْ يطلب سبل الفرح الحق، بكل قوّة وفي القرآن الكريم، نهي للنبي، عن الحزن. وذلك ما يسببه هذا الشعور على تأثير سلبي على قوّة الإرادة.

والارادة كدافعية تتغذي من مشاعر الفرح والحزن حيث يمكن تمثيلهما بنهرين بلونين مختلفين، أحدهما ينبت شجرة الإرادة والآخر يُميتها

تحميل كتاب قواعد الفرح: فن التفكير الجيّد، نظرية الإدِّخار، نظرية الارادة الفاعلة، من خلال الحديث النبوي PDF - وحيد خليل

هذا الكتاب من تأليف وحيد خليل و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها