تحميل كتاب فنون الشعر المستحدثة في العصر الوسيط وتأثيرها في شعر العامية المصرية pdf
معاينة الكتاب أو تحميله للإستخدام الشخصي فقط وأي صلاحيات أخرى يجب أخذ إذن من المؤلف
تحميل كتاب فنون الشعر المستحدثة في العصر الوسيط وتأثيرها في شعر العامية المصرية pdf الكاتب عماد سالم
تأثر شعراء العامية المصرية تأثرًا بالغًا بفنون الشعر المستحدثة التي ظهرت في العصر الوسيط، مثل الزَّجَل، والمُوَشَّح، والدُّوبَيْت، والقَوْما، والمُوَالِيَا، والبَنْد، والزَّكَالِش (المعروف بـ "الكان وكان")، فاستلهموا منها روحًا جديدة، وأدخلوا إلى بنيتها الشعرية لغة الناس اليومية، وكلامهم البسيط، فنجحوا بذلك في كسر حاجز الازدواجية اللغوية التي طالما أبعدت الشعراء عن وجدان الجماهير.
لقد كان الشعراء يفكرون بالعامية، لكنهم يكتبون بالفصحى، ملتزمين بعمود الشعر التقليدي، يخاطبون الناس بلغة لا تمثلهم، وبشكل لا يلامس ذائقتهم، خاصة بعد اختلاطهم بمجتمعات وافدة من الأندلس وبلاد الفرس وغيرها من أقطار الإسلام غير العربية. فصار للناس لغة يتحدثون بها، تشكّل ذائقتهم، وتؤثر فيهم فنونها، بينما ظل الشعراء يحدثونهم بلغة عتيقة، عسيرة على المتلقي، مليئة بالألفاظ الغريبة عن العوام، الذين ينحدر كثير منهم من أصول غير عربية.
وقد تمسَّك أولئك الشعراء بالقوالب الشعرية القديمة، من بحر واحد وقافية واحدة، لا تتناسب مع حس الجماهير، فشعروا بالملل، ونفروا من هذا الشعر، وأعرضوا عن أصحابه. وازدادت الهوة بعد سقوط بغداد سنة ٦٥٦هـ، حين تراجع الإبداع الشعري الذي كان متدفقًا في العصور السابقة، لا سيما في العصر العباسي الأول.
ومع انحسار رعاية الدولة للشعراء، اضمحلت المجالس والمحافل التي كانت تستقبلهم، وأُوصدت الأبواب في وجوههم، فلم تعد تحتفي بهم كما كانت. فقد كان معظم الوزراء والأمراء في بغداد من الأعاجم، لا يعرفون العربية، ولا يستسيغون الشعر، شأنهم شأن عامة الشعب، الذين استنكروا ما كان يفعله أمراء العصر العباسي من بذل الأموال الطائلة لشاعر لم يفعل سوى مدحهم، أو منحه راتبًا كبيرًا مقابل قصيدة أو اثنتين، أو حتى مقابل ألا يهجوهم أو يمدح غيرهم.
وقد بلغ هذا التقليد ذروته مع سيف الدولة، الذي استخلص المتنبي لنفسه، وأغدق عليه، حتى صار شعره سيفًا على أعدائه، ودرعًا يحمي هيبة الدولة، وينطق باسمها.
لكن الشعر لم يعد حكرًا على مدح الصفوة من الملوك والأمراء، بل انتشر بين طبقات الشعب المختلفة، واتخذوه وسيلة للتسلية حينًا، وللجد والعمل حينًا آخر. صار الشعر لسان حال الجميع: الوزراء والخياطون، الأمراء والنجارون، الفقهاء والحدَّادون. لم يعد مقصورًا على الرثاء والمديح، بل أصبح صادقًا، معبرًا عن حياة الناس، أمينًا في نقل الأحداث، بلغة يفهمها الجميع، ويشعرون أنها منهم وفيهم.
أمَّا في مصر والشام، فقد وجد الفن الشعري مناخًا لا بأس به، واستطاع أن يصمد أمام التقلّبات السياسية والثقافية، وذلك بفضل رعاية الملوك المستعربين، الذين أحاطوا الشعراء بعنايتهم، وعلى رأسهم سلاطين المماليك الذين وُلدوا في البلاد الإسلامية وعاشوا فيها، مثل الملك الناصر محمد بن قلاوون وإخوته.
وقد ظلّت الأغراض الشعرية التقليدية حاضرة، لكن أضيفت إليها أغراض جديدة، وتغيّر جمهور الشعر، إذ لم يعد مقتصرًا على النخبة، بل أصبح موجّهًا إلى عامة الناس. فصار البسطاء هم هدف الشاعر، الذي برع في التعبير عن مشاعرهم وهمومهم، من خلال أغراض، مثل: المدح، والرثاء، والغزل، والفخر، والحماسة، والهجاء، والوصف، والزهد، والتصوف، وغيرها.
وكان المديح من أبرز أغراض الشعر في العصور المتأخرة، ولم يقتصر على مدح الملوك والأمراء كما كان في السابق، بل اتّجه كثير من الشعراء إلى مدح الأصدقاء والزملاء والفضلاء من أعيان الرجال والعلماء، لا طلبًا للمال، بل وفاءً وتعبيرًا عن مشاعر الود والإخلاص. وراج المدح النبوي رواجًا كبيرًا، ومن أبرز نماذجه:
- صحائح المدائح لابن أبي الأصبع المصري (595-654 هـ).
- منتخب الهدية في المدائح النبوية لابن نباتة المصري (686-768 هـ).
أما الغزل، فقد نال نصيبًا وافرًا، وتميّز في أغلبه بالسهولة والعفّة والرزانة، وإن شاب بعضه تجاوزٌ وإسرافٌ في وصف مفاتن الحبيبة.
وكان الرِّثاء من الأغراض البارزة في هذه الحقبة، فلم يقتصر على الأحباب والأصحاب، بل شمل رثاء المدن الزائلة، وبكاء الدولة البائدة، خاصة بعد المصائب العظيمة التي حلّت بـ بغداد، والفاجعة التي داهمتها، فكثر الشعر في رثائها، كما نجد نظائر له في رثاء المدن الشامية التي خُرّبت على يد التتر.
أمَّا الهجاء، فقد تنوّع بين هجاءٍ فاحش يتناول العرض والسبّ والقذف، وهجاءٍ ساخرٍ يتّسم بالهزل، ويصوّر المهجوّ بشكل مضحك، أو يصفه بأوصاف مشينة كالغدر والبخل وما شابه.
ولـ الوصف في شعر ذلك العصر حضورٌ كبير، فقد جاء قسمٌ منه في قصائد ومقطوعات مستقلة، بينما اندمج القسم الآخر ضمن الأغراض الأخرى. ونلمح في أوصاف الشعراء، لا سيما في وصف الطبيعة، مزجًا بين المشاعر والمشاهد، مما أضفى على النصوص الشعرية طابعًا وجدانيًا وإنسانيًا عميقًا.
لم يخلُ الشعر في العصور المتأخرة من الخلاعة والمجون، فقد أقبل على نظمه فريق من الشعراء تمردوا على ستر العفاف، وساروا في دروب الرذيلة والغواية، ومن أبرزهم:
- عبد العزيز البغدادي (768-846هـ).
- شرف الدين بن أسد (؟ - 738هـ).
وفي المقابل، راج شعر الزهد والتصوف، وهرول إليه الشعراء طلبًا للنجاة من الكرب والبلاء، ومنهم:
- عماد الدين بن الحسن البغدادي المعمار (637هـ - 712هـ).
وإلى جانب ذلك، شاع بين العامة والخاصة شعر الأحاجي والألغاز، فاتخذوه وسيلة للتسلية والتلهية والرياضة الذهنية، مما يدل على تنوّع الأغراض الشعرية وتطوّرها لتلائم مختلف شرائح المجتمع.
ومع انصراف الأمراء والملوك عن الشعر، ونكرانهم لفضله وأهميته - خاصة أنهم لم يكونوا عربًا، بل عجمًا من المشرق والمغرب، ومن العامة في بلاد مثل الفرس والأندلس وغيرها من الأقاليم الإسلامية التي فُتحت على يد العرب - نشأت فنون شعرية مستحدثة، هدفها الأول الوصول إلى عامة الناس، فهم الأمل في العطايا والكسب.
ومن هذه الفنون:
- الزَّجَلُ.
- الدُّوبَيْتُ.
- المُوَشَّحُ.
- المواليا.
- الزَّكالِش (الكَانُ وَكَانَ).
- القَوْمَا.
- البَنْدُ.
وقد انبثقت هذه الفنون من بيئة جديدة اختلطت فيها أجناس متعددة، بثقافات متنوعة، وعادات مختلفة، وطبائع متميزة، وتاريخ متشعب، مما ألقى بظلاله على الإبداع الشعري، سواء في كتابته أو تذوقه.
وكان من أوائل من اهتم بهذه الفنون الشاعر صفي الدين الحلي (باستثناء فن البند)، وقد وصفها في كتابه العاطل الحالي والمرخص الغالي بأنها:
"السهل الممتنع، والأدنى المرتفع".
وهي فنون لا تلتزم بعمود الشعر التقليدي، خصوصًا فيما يتعلق بالأوزان، واستخدام العامية، ومخالفة القياس الصرفي واللغوي، لا سيما في فنون مثل:
- الزَّجَل.
- المَوَالِيَا.
- الزَّكالِش (الكان وكان).
- القَوْما.
وسوف نستعرض في هذا الكتاب هذه الفنون الشعرية المستحدثة؛ من حيث:
- ماهيتها ونشأتها.
- أبرز روّادها.
- مَن أسْهم في انتشارها.
- مدى تأثيرها في شعر العامية المصرية.
وسنتساءل: هل تأثر الشعراء المصريون بهذه الفنون؟ وما مدى حضورها في الإبداع الشعبي؟ وهل كانت مجرد تسلية، أم أنها حملت مضامين فنية وجمالية راقية؟
إن هذا الكتاب دعوة إلى إعادة النظر في تلك الفترة التي ظُلمت بفنونها الراقية، والتي أضافت إلى هذا الكون جمالًا وسحرًا خاصًّا، فهذا الكون دائمًا ينقصه شيء، ولا كمال له إلا بالفنون.
تحميل كتاب فنون الشعر المستحدثة في العصر الوسيط وتأثيرها في شعر العامية المصرية PDF - عماد سالم
هذا الكتاب من تأليف عماد سالم و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها
الملكية الفكرية محفوظة لمؤلف الكتاب المذكور.
في حالة وجود مشكلة بالكتاب الرجاء الإبلاغ من خلال أحد الروابط التالية:
بلّغ عن الكتاب
أو من خلال التواصل معنا
حقوق الكتب المنشورة عبر مكتبة فولة بوك محفوظة للمؤلفين ودور النشر
لا يتم نشر أي كتاب دون موافقة صريحة من المؤلف أو الجهة المالكة للحقوق
إذا تم نشر كتابك دون علمك أو بدون إذنك، يرجى الإبلاغ لإيقاف عرض الكتاب
بمراسلتنا مباشرة من هنــــــا