تحميل كتاب أيام الصيف بين حفلات الأعراس وليالي الزردة والاستماع إلى الراديو pdf
معاينة الكتاب أو تحميله للإستخدام الشخصي فقط وأي صلاحيات أخرى يجب أخذ إذن من المؤلف
تحميل كتاب أيام الصيف بين حفلات الأعراس وليالي الزردة والاستماع إلى الراديو pdf الكاتب محمود حرشاني
تمضي أيام الصيف في القرى النائية والبعيدة متشابهة، وعادة ما تقترن أيام الصيف عند سكان القرى والبوادي بالأفراح العائلية، كأفراح الزواج أو الخطوبة، التي تشكل متنفسًا للعائلات للترويح عن النفس. حيث يكون العرس في القرى والبوادي مناسبةً للم الشمل، وترتدي النساء أجمل الملابس والحلي، وكذلك الرجال والشباب، وعادة ما يكون العرس مناسبة لإقامة سباقات في الفروسية بين الفرسان، أما في الصباح أو في المساء، وتتعالى زغاريد النساء لتمتزج بطلقات البنادق التي يطلقها الفرسان في الهواء.
أما في الليل وفي السهرة، فتتداول النساء والرجال الغناء، وتتواصل السهرة إلى ساعة متأخرة من الليل. فيغادر الضيوف منزل صاحب العرس عائدين إلى منازلهم… كنا ننتظر هذه المناسبات بفارغ الصبر. وعندما نسمع أن موعد إقامة العرس قد اقترب، نفهم ذلك من خلال اشتراك كل العائلات مع عائلة العريس في الإعداد والتحضير، لأنهم لا يتركون أم العريس أو عائلته المضيقة لوحدهم، بل إن الجميع من النساء خاصة والصبايا يشاركون مع عائلة صاحب العرس في الإعداد.
وكانت مناسبة غسل الأغطية الصوفية في الشرشارة، وهي عين الماء التي لا ينقطع جريانها، من المناسبات التي نحرص نحن الصبيان على حضورها لمرافقة الفتيات الصبايا، مرفوقات بالعروس لغسل الأغطية الصوفية، وكل واحد منا الصبيان يحاول أن يلفت نظر الصبايا اللواتي يمضين اليوم في غسل الأغطية والغناء، وهن يتبادلن العبارات فيما بينهن: "العاقبة لفلانة" ويسمون اسمها…
أيام الصيف في قريتنا البعيدة كانت بالنسبة لي أيضًا أيام عمل، حيث كنا نشتغل بجمع المحاصيل الفلاحية لدى الفلاحين، وخاصة جمع صابة اللوز، ولم يكن أجرنا غير حفنة من اللوز يسلمها لنا الفلاح بعد أن ننتهي من عملنا، وكنا نشتغل حتى نجمع مصروفنا استعدادًا للزردة.
والزردة هي الموسم الكبير الذي يجمع مئات الزوار الذين جاؤوا التماسًا لبركات الولي الصالح سيدي علي بن عون في نهاية شهر جويلية أو بداية شهر أوت. والزردة هي مناسبة الفرح الكبرى لدى سكان القرية. وكنت دائمًا أتساءل كيف للأهالي أن يتركوا منازلهم هكذا بدون حراسة لمدة خمسة أيام أو أكثر، وهم مقيمون تحت الخيام في ساحة ضريح الولي الصالح، بدون حراسة، ولا يخشون على منازلهم من السرقة. فترد علي جدتي وقد استغربت سؤالي: "هي في حماية سيدي علي بن عون، ومن يجرؤ على أن يسرق ديارنا ونحن في حمايته؟"
ما زلت أتذكر كيف كنا نغادر منزلنا منذ يوم الأحد باتجاه مقام الولي الصالح سيدي علي بن عون، وهناك ينصب لنا الوالد خيمة، ونقيم تحتها طيلة أيام المهرجان. تلك أيام لا تُنسى ولا تمحى من ذاكرتي، فهي أيام الفرح حيث تُقام حلقات الغناء، خاصة في الليل، ويتحلق الناس مستمتعين بأغاني هؤلاء الرجال الذين جاؤوا من جهات عديدة.
كما لا تغيب عن ذاكرتي مشاهد الفروسية، حيث يقدم الفرسان أجمل العروض، وهي عروض يتابعها عشاق هذا الفن. أما مقام الولي الصالح سيدي علي بن عون، فهو يعج بالزوار الذين جاؤوا التماسًا لبركات الولي الصالح والسلام عليه وعلى ابنته المدفونة بجانبه المصون الكريمة "للا شبلة".
وهل تكتمل فرحة الزردة بدون زيارة سيدي علي بن عون وللا شبلة وقراءة الفاتحة ترحمًا عليهما، والتضرع إلى الله أن يجعل العام الجديد صابة، وأن يكون في عون التلاميذ، وأن يسهل مكتوب هذه أو تلك من الصبايا ببركة الولي الصالح سيدي علي بن عون؟ أحببت أجواء الزردة، فهي بالنسبة لي مناسبة للفرح والترويح عن النفس وارتداء الملابس الجديدة. وفي أيام الزردة ارتديت لأول مرة زي الكشافة الأزرق، وكنت إلى جانب عدد من زملائي الكشافين نسهر على إسداء الخدمات للمواطنين.
وبين حفلات الأعراس وحفلات الزردة، كانت أجمل أوقاتي هي التي أقضيها في الاستماع إلى البرامج الإذاعية. كان عندنا راديو كبير الحجم اشتراه والدي، وكنت في عز القيلولة أخذ هذا الراديو إلى غرفة مجاورة، وأبدأ في التجوال بين الإذاعات. كانت أصوات كبار المذيعين تهزني، وأحاول تقليدهم.
كنت أراسل العديد من البرامج، وكانت تصلني من هذه الإذاعات مجلات وكتب. وأذكر أنني كونت ذات صيف نادي "أصدقاء إذاعة برلين" في قريتنا، وكم كانت فرحتنا كبيرة عندما استمعنا بعد حوالي أسبوعين إلى هذه الإذاعة تعلن عن تأسيس نادينا، وعندما وصلتنا المجلة التي تصدرها الإذاعة وجدنا اسم نادينا وتركيبته مع بقية النوادي الأخرى.
ومن ذكرياتي مع الإذاعات في الصيف أنني فزت بأول جائزة أدبية في حياتي، وكذلك في مسابقة لكتابة القصة القصيرة نظمها برنامج "من النافذة" الذي كان يعده ويقدمه في إذاعة صفاقس المرحوم محمود بن جماعة، وكان عنوان القصة "البقرة التي اشتراها أبي"، وكانت الجائزة مجموعة من الكتب.
مرت سنوات الطفولة بسرعة. لم تكن حرارة الطقس المرتفعة تعيقنا عن القيام بأي شيء نريده، كالخروج في ذروة الحرارة واشتدادها لصيد العصافير بواسطة الشباك التي كنا نصنعها بأيدينا، حيث كنا ننصب هذه الشباك في الأماكن التي تتردد عليها العصافير، مثل عيون المياه والبيادر عقب جمع المحاصيل الزراعية، وأحيانًا كنا نطارد هذه العصافير بين بقايا سنابل القمح، وخاصة طائر الحجل الذي لا يستطيع الصمود كثيرًا.
مرت أيام الطفولة والشباب حيث لم تعد لدينا نفس الاهتمامات. لم يكن البحر والذهاب إلى الشواطئ من اهتماماتنا في البداية، فنحن أبناء البراري الشاسعة وابناء الشيح والريح. وكان فصل الصيف في قرانا هو فصل المتعة والتمتع بأيام الراحة، ولم تكن أفراحنا تقام خارج القرية. حتى الشباب من أبناء القرية الذين تعلموا في المعاهد والكليات كانوا يعودون صيفًا إلى القرية، وأغلب شبابها أقام أفراح زواجه فيها. فلا متعة تضاهي متعة فرح الأهالي وهم يعيشون معك أجمل لحظات العمر.
✍️ محمود حرشاني
تحميل كتاب أيام الصيف بين حفلات الأعراس وليالي الزردة والاستماع إلى الراديو PDF - محمود حرشاني
هذا الكتاب من تأليف محمود حرشاني و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها
الملكية الفكرية محفوظة لمؤلف الكتاب المذكور.
في حالة وجود مشكلة بالكتاب الرجاء الإبلاغ من خلال أحد الروابط التالية:
بلّغ عن الكتاب
أو من خلال التواصل معنا
حقوق الكتب المنشورة عبر مكتبة فولة بوك محفوظة للمؤلفين ودور النشر
لا يتم نشر أي كتاب دون موافقة صريحة من المؤلف أو الجهة المالكة للحقوق
إذا تم نشر كتابك دون علمك أو بدون إذنك، يرجى الإبلاغ لإيقاف عرض الكتاب
بمراسلتنا مباشرة من هنــــــا