تحميل كتاب التسامح ومنابع اللاتسامح - فرص التعايش بين الاديان والثقافات pdf الكاتب ماجد الغرباوي

رغم ان التسامح مفهوم اسلامي غني في دلالاته غير ان القراءات المبتسرة للدين ونصوص الذكر الحكيم صورّت التسامح مخلوقا لا اسلاميا، او مفهوما مستوردا للاطاحة بقيم الدين الحنيف. وهي قراءات تشبث بها دعاة العنف والاحتراب، ممن اختزلوا القرآن في بضع آيات نزلت في ظل ظرف خاص، بينما أهملوا مصفوفات قرآنية كثيرة تدعو الى المحبة والوئام ونبذ العنف والدعوة الى الاسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.

لسنا بصدد خطاب ايديولوجي تبريري يمارس التظليل باقصاء الحقائق، فيفرق بين الدين والمتدينين، وبين الاسلام والمسلمين، ليلقي بتبعية الاخطاء التاريخية على الاشخاص دون الافكار، او يتهم المسلمين لتبرئة العقيدة والدين. وايضا لا نتهرب من الاشكاليات النصية او الممارسات السلوكية، وانما قررنا مواجهتها بجميع تفصيلاتها، لا نخشى في ذلك التراجع او الاعتراف بالخطأ، ما دمنا نؤسس للنقد والنقد الذاتي وندعو له جهارا ليطال كل شيء ولا يبقي شيئا . غير ان الحقائق التاريخية يجب الاقرار بها والتأني في قراءتها وفهمها وتدبرها. فالتسامح كان ركيزة الاسلام في مرحلة الدعوة باعتراف جميع المؤرخين. وهذه المرحلة تمثل أسس الاسلام ومبادئه الاساسية. واما بالنسبة الى مرحلة المدينة (التي شرع فيها القتال) فما زلنا نصر على التفريق بينها وبين مرحلة الدعوة (المرحلة المكية). وليس في ذلك انتقائية، لان مشهدا واسعا من مرحلة المدنية كان استثنائيا طارئا فرضته ظروف الحرب والمواجهة مع قوى الظلم والعدوان، التي سعت جادة لاستئصال شأفة المسلمين، والقضاء على وجودهم، بعد ان اصبح خطرا يهدد مصالحهم الشخصية والاقتصادية اكثر من تهديده لمعتقداتهم الدينية. بل وتفاقم الخطر عندما دخل الآخر المختلف دينيا، المتمثل آنئذ باليهود والمسيح، المعركة الى جانب اعداء الاسلام والمسلمين بكل ثقله، فلم يبق امام المسلمين خيار سوى الدفاع عن النفس ومواجهة الاخطار بنفس السلاح الذي لجأ اليه العدو، وهو حق طبيعي قبل ان يكون واجبا دينيا. والا لو ترك الاسلام حرا مع الاقوام والشعوب العربية لتمكن بجدارة من تحقيق اهدافه دون اللجوء للقوة، وليس التاريخ بضنين على الباحث لتأكيد دعوى انتشار الاسلام سلما لا حربا، كما بالنسبة الى دول شرق اسيا، التي هي اليوم أعلى كثافة سكانية مسلمة في العالم. مما يعني ان القوة ليست امرا استراتيجيا وانما تكتيكا مرحليا قد انتهى بانتهاء امد المعركة.

 واما عن سلوك المسلمين، بعد النبي (ص) وارتكازهم الى نفس آيات القسم الثاني فكان مرتبطا بالشروط التي فرضت القوة ذاتها. وليس عيبا الاعتراف بان قسما كبيرا من حروب المسلمين، ما زالت تثير علامات استفهام متعددة حول اهدافها واستراتيجياتها، وهي تتطلب وقتا كافيا لنقدها وتوضيح حقيقتها ودواعيها، للتأكد من مدى توافرها على شروط تفعيل القوة آنئذٍ كي يرتكز لها بهذا الغزارة، حتى صارت الحرب سنة تقتدي بها الاجيال اللاحقة؟.

في هذه الدراسة محاولة لتأسيس نسق قيمي جديد لمفهوم اسلامي عريق اكدته نصوص الكتاب وعضدته السيرة الصحيحة، وارتكز اليه المسلمون وشخص النبي (ص) في علاقته مع الآخر المختلف دينياً، نحن بأشد الحاجة اليه في وقت تفشى فيه العنف باسم الدين والاسلام والشريعة، وصار مألوفا حز الرؤوس وتقطيع الاوصال والتمثيل بجثث القتلى حتى مع المسلم البريء لمجرد اختلافه مذهبيا او سياسيا. بل صار يعرف الاسلام بهذا الممارسات اللانسانية فضلا عن اسلاميتها.

   نتمنى ان يساهم الكتاب في تدعيم قيم التسامح والعفو والرحمة بين الشعوب المسلمة سيما شعبنا العزيز في العراق.

جزيل الشكر والتقدير للاخ الاستاذ عبد الجبار الرفاعي مدير مركز دراسات فلسفة الدين، على  ما يبذله من جهد من أجل استتباب قيم التسامح ونبذ العنف والاحتراب.

هذا الكتاب من تأليف ماجد الغرباوي و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها