تحميل كتاب عواصف الجنين pdf

تحميل كتاب عواصف الجنين pdf الكاتب عباس مدحت البياتي

وكأنها لم تُصغِ يومًا لصوت العقل، ولم تقرأ تجارب الأخريات، ولم تتأمل ماضيًا كان حافلًا بالعِبر. عاشت بمنأى عن الحقيقة الصادمة، في بقعة صماء لا تسمع فيها سوى صدى أنفاسها. عزلت نفسها عن العالم، خشية أن تفسد الأعين اللماحة حلمها، أن تُصاب وجنتاها ببثور الحسد. تجنبت مهاوي الشك، وراوغت لحظة التصادم قدر استطاعتها، كي لا ترتد عليها ظلال الخوف، ولا تحترق بخط النار المحذور.

ومع ذلك، وقعت في المطب. لم تستطع تجاوز تلك المنافذ التي جعلتها أمثولة الزمن، على صفحات التجارب المرة. تركتها الأيام تشكو غصّة قدرها، وتئن تحت وطأة زمن ماجن، باغتها دون إرادة منها، ودون أن تملك تغيير وجه واقعها. بقيت كغريبة تائهة في الطريق، كقشة تتلاعب بها ريح الأهواء. جاح بها القدر بين نبل الأشواك ولهيب الأشواق، بينما ظل صفير الجنون يقرع أذنيها بلا هوادة، حتى وهنت قواها، وضعف عزمها، واشتدت عليها صعقة الآهات والشجن.

كانت قد ساقتها فرية الأهواء إلى فلاة الصمت، خلف أثر حلمٍ تأملته منذ الصغر، لتعيش ساعات شتات مرة، وهي لا تزال ندية، رطبة، لم ينشف بعد ثوب عرسها من فرحة أول أعتاب الزفاف.

تلك الفتاة الفاتنة المراءة بين جوقة الفتيات تهجس بها الأرواح كالبدر في إطلالته، وتفتن بها العيون كيفما نظرت، لكنها بقيت معصوبة العينين، مركونة داخل قوس القدر، كحجر لا روح فيها ولا نفس، لا أحد يبالي بها أو يراعي هشاشتها. مغموسة بسكينة لاذعة وصمت مر، كجرح يعاني ألمه تحت وقع وحدة لعينة ماجنة، مليئة بأشواك الشك والريبة.

جنان الفاتنة، حاصرتها أجواء رعناء، غازلها زمن أفن وهموم وعثاء، أزمات تبعت بعضها، وسخط خانق ينهشها من كل صوب. كانت قد ارهقتها وعكة أغْضنت جفنيها، لتجد ذاتها محاطة بفجوة لا تستطيع أن تتجنب مخاوفها. قبعت مجبرة تحت لهاث صبر مر دون أن تجد لحيرتها مخرجا، ولا لصوتها صدى يرتد إليها في تلك الوحدة المقيتة، وهي تشنف الحظ والقدر بعين خجلة..

تحميل كتاب عواصف الجنين PDF - عباس مدحت البياتي

هذا الكتاب من تأليف عباس مدحت البياتي و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها